كيف توزع اللاجئون الفلسطينيون في الأردن ؟
المدينة نيوز – بدأت هجرة الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948 نتيجة لاحتلال ما يقارب نصف مساحة فلسطين التاريخية والتي نجم عنه إنشاء دولة إسرائيل، وفي ذلك العام وفي الأشهر التي سبقته، اقترفت الهاغاناه والمجموعات الصهيونية الإرهابية الأخرى العديد من المجازر تم توثيق 25 مجزرة منها، وتم تدمير ما يقارب 500 قرية فلسطينية بالكامل ( (Ethnical Clearance. وفي ذلك الوقت توزع اللاجئون في مختلف دول الجوار، وبحسب الأرقام الصادرة عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، بلغ عددهم في عام نحو 1950 914 ألف فلسطيني، منهم 506 آلاف جاؤوا إلى الأردن، بما فيها الضفة الغربية حينذاك، و128 ألفاً ذهبوا إلى لبنان، و82 ألف لجأوا إلى سوريا، و198 ألفاً ذهبوا إلى قطاع غزة. وتتفاوت تقديرات اللاجئين الفلسطينيين في تلك الفترة تبعاً للجهة التي قامت بعملية التقدير.
توزع اللاجئون الفلسطينيون الذين لجأوا إلى الأردن آنذاك على خمسة مخيمات أقيمت لهم في «الضفة الشرقية»، هي الوحدات في جنوب عمان، والحسين في وسط عمان، واربد في مدينة اربد، والزرقاء (جناعة) في مدينة الزرقاء، ومادبا في مدينة مادبا، إلى جانب آلاف اللاجئين الذين توزعوا على المدن والبلدات والقرى الأردنية.
وفي عام 1967 في أثناء حرب حزيران، تم تهجير ما يقارب 350 ألف فلسطيني من الضفة الغربية إلى الأردن، توزع هؤلاء على ثمانية مخيمات هي الطالبية (زيزيا) والنصر في عمان، وماركا (حطين) والسخنة في مدينة الزرقاء، والبقعة في البلقاء، والحصن (عزمي المفتي) في مدينة اربد، وجرش (غزة) وسوف في مدينة جرش، إضافة إلى توزع الآلاف منهم في المدن والبلدات والقرى الأردنية.
قراءة في الأعداد
يعد الأردن من أكثر الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين، إذ تقدر أعداد المسجلين منهم لدى وكالة الغوث بنحو مليوني لاجئ من أصل ما يقارب خمسة ملايين لاجئ مسجلين لديها في مناطق اللجوء الخمس ( الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية، قطاع غزة)، مشكلين ما نسبته 40 بالمائة من مجمل اللاجئين المسجلين لديها في جميع مناطق عملياتها.
وتجمع مختلف الأطراف ذات العلاقة والمهتمة بأعداد اللاجئين والنازحين المقيمين في الأردن ممن يحملون الجنسية الأردنية والذين لا يحملونها، أن أعدادهم أعلى من أرقام وكالة الغوث الدولية. وتشير تقارير الحكومة الأردنية إلى أن أعداد اللاجئين تزيد على أرقام وكالة الغوث، لأن هناك لاجئين فلسطينيين غير مسجلين في سجلاتها لأسباب عدة أبسطها أن أغلبية اللاجئين المسجلين في وكالة الغوث هم الأشخاص والأسر الذين يحتاجون بطريقة أو أخرى الخدمات التي تقدمها، وهناك فئات واسعة منهم لا تحتاج هذه الخدمات، إما بسبب عدم توفرها في المناطق الجغرافية التي يقيمون فيها، أو لأنهم أردنيون يتلقون هذه الخدمات من مؤسسات الدولة الأردنية، أو لأنهم مقتدرون ماليا وليسوا بحاجة لتعليم أبنائهم في مدارس وكالة الغوث أو تلقي العلاج في مراكزها الصحية.
وتشير بعض التقديرات إلى أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين غير المسجلين في وكالة الغوث الدولية تصل إلى ما يقارب 15% من مجموع اللاجئين. وهناك تقديرات غير رسمية أخرى تشير إلى أن هناك ما يقارب ثمانمئة ألف فلسطيني ممن لا تنطبق عليهم معايير وكالة الغوث الدولية، لأنهم نازحون من الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي فإن أعداد الفلسطينيين في الأردن، أكانوا لاجئين أم نازحين ( يحملون الجنسية الأردنية أو لا يحملونها)، تقارب 3,1 ملايين شخص.
التوزيع الجغرافي للاجئين
يتوزع اللاجئون والنازحون الفلسطينيون، في مختلف محافظات المملكة، وغالبيتهم تسكن خارج المخيمات، إضافة إلى ذلك فإن أعداد اللاجئين والنازحين المقيمين في المخيمات متفاوتة، والجدول أدناه يوضح توزيع اللاجئين المسجلين في وكالة الغوث الدولية على المخيمات ومساحتها وسنة إنشائها. ومن الجدير بالذكر هنا أن الأعداد الواردة في هذا الجدول تعكس أعداد اللاجئين المسجلة في وكالة الغوث فقط حتى نهاية عام 2010، وخاصة المتعلقة بالمخيمات الرسمية العشرة الأولى، وهي لا تشمل أعداد المقيمين في هذه المخيمات من النازحين بحسب تصنيف وكالة الغوث. وتقدر نسبة النازحين على المخيمات بما يقارب 25 بالمائة، وتتفاوت من مخيم إلى آخر، وبالتالي فهي لا تعكس عدد السكان الحقيقيين داخل هذه المخيمات، إلى جانب أن أعداد سكان المخيمات الثلاثة الواردة في آخر الجدول (مادبا والسخنة والنصر) اعتمدت على أرقام دائرة الشؤون الفلسطينية في عام 2003، وليس متاحا للباحثين الوصول إلى أرقام حديثة في الوقت الراهن. وبإعادة تقدير أعداد سكان هذه المخيمات الثلاثة وفقا لمعدل النمو السكاني في الأردن البالغ 2,5 بالمائة للسنوات 2004 إلى 2010 فإن أعداهم ستزيد بما يقارب أربعة آلاف نسمة.
ويتضح أن أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث المساحة هو مخيم البقعة الواقع في محافظة البلقاء، حيث تبلغ مساحته 1435 دونما ( الدونم يساوي 1000 متر مربع)، في حين أن مخيم السخنة الواقع في محافظة الزرقاء يعد أصغر هذه المخيمات حيث تبلغ مساحته (68) دونما. ويلاحظ أن مخيم البقعة يوجد فيه أكبر عدد من اللاجئين المسجلين، إذ يبلغون 106318 لاجئا، بينما مخيم السخنة هو الأقل من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانه 5522 نسمة.
ومن الجدير بالذكر أن هناك تصنيفاً خاصاً يستخدم في الأردن لمخيمات اللاجئين والنازحين، فبعضها يطلق عليه مخيمات رسمية، والآخر مخيمات غير رسمية. إذ أن المخيمات الرسمية هي المخيمات التي تعترف بها وكالة الغوث الدولية، حيث تقوم الوكالة بتقديم جميع خدمات التعليم والإغاثة والصحة وصحة البيئة، وتوفر إدارة خاصة لتنظيمها، بينما في المخيمات غير الرسمية، لا تقدم وكالة الغوث خدمات صحة البيئة وإدارة خاصة لتنظيم مجمل خدماتها، وتقوم نيابة عنها في ذلك البلديات التي تقع هذه المخيمات في إطارها، والمخيمات غير الرسمية هي مخيمات مادبا والسخنة والنصر، أما باقي المخيمات فهي مخيمات رسمية.
الظروف الاقتصادية والاجتماعية
حدث تحسن ملموس في العديد من الجوانب الحياتية للاجئين والنازحين الفلسطينيين في الأردن خلال العقود الماضية (داخل المخيمات وخارجها)، والناجم بشكل أساسي عن اندماجهم اقتصادياً في المجتمع الأردني، وارتفاع نسبة المتعلمين بينهم، بسبب الفرص التعليمية التي قدمتها وكالة الغوث الدولية من خلال توفير المدارس لهم منذ بداية عقد الخمسينات، إلى جانب استيعاب أعداد كبيرة منهم في مدارس الحكومة الأردنية ومعاهدها في ما بعد المرحلتين الابتدائية والإعدادية (مرحلة التعليم الأساسي)، الأمر الذي مكنهم من الالتحاق بسوق العمل محلياً وخارجياً، فقد توفر لعشرات الآلاف منهم من الالتحاق بالعمل في دول الخليج، ما مكنهم من توفير فرص تعليمية جيدة ومتقدمة في الجامعات في الأردن وخارجها لأبنائهم. وهو ما أدى إلى تحسن مستويات معيشتهم ومعيشة أسرهم، سواء بإعادة بناء الوحدات السكنية التي وفرتها وكالة الغوث لهم عند تأسيس المخيمات، والتي كانت تسمى «براكية»، أو تمكن أعداد كبيرة منهم من الانتقال إلى خارج المخيمات للحصول على مستويات أفضل للحياة، خاصة بعد أن كبرت الأسر وامتدت وما عادت مآويهم تتسع لهم، وهذا يفسر تراجع نسبة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين داخل المخيمات إلى ما يقارب 18 بالمئة من مجمل اللاجئين، إلا أن هذا لم يمنع استمرار حالة الاكتظاظ الشديد داخل هذه المخيمات.
وعلى الرغم من قيام الدولة الأردنية بتطوير البنى التحتية لغالبية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، إذ تم العمل على تقديم الخدمات الأساسية من شق الطرق وتوصيل المياه وخدمات الصرف الصحي والكهرباء والاتصالات بأنواعها، وتقديم خدمات التعليم الثانوي داخل المخيمات، إلا أن المخيمات في الأردن ما زالت «بيئة طاردة» للاجئين والنازحين من سكانها، فمساحات البيوت صغيرة وتكاد لا تتسع لساكنيها، وهي متلاصقة، وشوارع المخيم ضيقة ومزدحمة دائماً، ولا تتوفر في المخيمات أي فرص للتوسع الأفقي ولا مساحات للملاعب أو حدائق للأطفال وغيرها من وسائل الحياة الأساسية.
أما فيما يتعلق بمستويات الفقر والبطالة، فإن المخيمات تعج بالعاطلين عن العمل وينتشر فيها الفقر بشكل كبير، ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب أهمها: أن فرص العمل ما عادت متاحة أمام أبناء المخيمات (داخل الأردن وخارجه)، كما كانت عليه في السابق، فالأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يواجهها الأردن، أصابت أبناء المخيمات أسوة بغيرهم من أبناء مختلف المحافظات ولكن بدرجة أكبر، فالعديد من المؤسسات الحكومية مغلقة أمامهم لأسباب سياسية داخلية، وعشرات المؤسسات الحكومية ما زال العمل محصور فيها بالأردنيين من غير اللاجئين، وتعمل فيها نسب بسيطة منهم، إلى جانب تراجع فرص العمل في دول الخليج العربي، خاصة بعد العام 1991.
يمكن الإشارة كذلك، إلى أن فرص التعليم الجامعي صارت غير متاحة لأبناء المخيمات كما كانت في السابق، بسبب ارتفاع تكاليفها، أمكان ذلك في الجامعات الرسمية أو الجامعات الخاصة. فالجامعات الرسمية يذهب جزء كبير من مقاعدها إلى ما يمكن أن نسميه (نظام الكوتات)، والذي لا يستفيد منه كثيراً أبناء المخيمات، أما الجامعات الخاصة فهي بحاجة إلى قدرات مالية كبيرة، لا يقدر على توفيرها غالبية اللاجئين والنازحين المقيمين في المخيمات، بالإضافة إلى إغلاق باب التعليم الجامعي المجاني في الدول الشرقية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية في أواخر الثمانينيات و أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، الأمر الذي أدى إلى تراجع القدرة التنافسية لأبناء المخيمات في الحصول على فرص عمل جيدة، وأصبح جزء كبير منهم عمالة نصف ماهرة وغير ماهرة يعملون في مهن عائدها المالي لا يتلائم مع متطلبات الحياة اليومية الصعبة، أو غير قادرين على الحصول على فرصة عمل.
في الختام، ما زال أبناء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ينتظرون تحقق حلمهم الدائم بالعودة إلى وطنهم فلسطين، وما زالوا يتعاملون مع إقامتهم داخل المخيمات باعتبارها إقامة مؤقتة، مع أنها طالت كثيراً.
* أحمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية/ الأردن