الكورونا تعصف بموازنة 2020
إحدى أبرز التوصيات التي خرجت بها الدراسة المعمقة للمنتدى الاقتصاديّ الأردنيّ حول تداعيات وباء الكورونا اقتصاديّاً هو المراجعة الفورية للموازنة العامة وإعادة النظر بفرضيتها.
هذه التوصية في غاية من الأهمية في هذا الوقت تحديداً، والذي يتطلب من الحكومة توفير كل المخصصات المالية اللازمة لمواجهة الفايروس الذي شل حركة الاقتصاد الوطنيّ وعصف بعملية الإنتاج برمتها، مما سيلحق بها حتماً ضربة موجعة مع مرور الأيام القادمة.
الحاجة ملحة لإعادة النظر بالموازنة من أجل إقرار ملحق خاص بالموازنة يعيد ترتيبات الإنفاق على ضوء المناقلات القسرية التي ستحدث في الموازنة وتوفير الأموال الضرورية لتلبية احتياجات القطاعات الرئيسيّة المتضررة من الوباء، فلا يجوز الإنفاق الآن خارج الموازنة إلا بقانون ملحق موازنة والذي سمح الدستور بإقراره من قبل النوّاب في مثل هذه الحالات القسرية، والملحق ضروري حتى لا يتم ترحيل المشاكل المالية للأعوام المقبلة دون سند ومعرفة في آلية صرفها، خاصة أن الملاحق وسيلة قانونية نتيجة الصرف والإنفاق والاقتراض في آن واحد.
فرضية أن الاقتصاد الوطنيّ سيحقق نموا نسبته 2.2 بالمائة فرضية تلاشت تلقائيا، فالاقتصاد يتجه نحو ركود عميق في المرحلة المقبلة يصحبه تباطؤ حاد في الطلب والإنتاج نتيجة التغيرات التي تحدث في الاقتصاد الوطنيّ ودول الجوار أيضا.
عجز الموازنة المقدّر بحوالي 1.215 مليار دينار بات هو الآخر ضرباً من الخيال، فالانفلاتات باتت حتمية في بنود الموازنة، والنفقات العامة سوف تزداد عما هو مقدّر بشكل كبير لمواجهة تداعيات الكورونا، والأخطر من ذلك أن النمو المقدر في الإيرادات المحليّة بنسبة تتجاوز الـ10 بالمائة لن يتحقق أبداً في ظل جمود النشاط الاقتصاديّ المختلف وتراجع تحصيلات الخزينة من الضرائب والجمارك والرسوم المختلفة، فغالبية القطاعات الصناعيّة والتجارية في توقف تام تقريبا.
مخصصات الخزينة لفوائد الدين الخارجيّ والبالغة 1.54 مليار دينار ستكون محل شك في قدرة الخزينة في دفعها بوقتها، وهذا أمر منطقي في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، والأمر سيمتد بحجم المديونية التي من المؤكد أنها ستتجاوز النسب المقدرة في موازنة 2020 والبالغة نسبتها 95 ٪ بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، أو بحجم مالي يبلغ 31 مليار دينار تقريباً، فكلف كورونا ستكلف الاقتصاد الوطني كلفا مالية، كبيرة سيجري تغطيتها إما بالمنح أو بالاقتراض، وهو ما يرجح ارتفاع حجم المديونية لمستويات قياسية جديدة، مما يشكل ضربة موجعة لكافة الجهود الرسمية المبذولة لإعادة هيكلة المديونية وتخفيض فوائدها على المدى القريب.
فرضية 55 دولارا لبرميل النفط المقدر في موازنة 2020 باتت هي الأخرى ضرباً من الخيال في ضوء الانهيار الكبير في أسعار النفط العالمية ووصول النفط إلى ما دون الـ20 دولارا للبرميل، يستوجب إعادة تقييم الكثير من بنود الموازنة المرتبط تحقيقها بهذه الفرضيات.
طبعًا فرضية نمو الصادرات الوطنية بنسبة 7 بالمائة ستصطدم بواقع صعب نتيجة الإغلاقات المختلفة للمعابر الحدودية من برية وبحرية وجوية، ناهيك أصلاً عن توقف عجلة الإنتاج لكثير من القطاعات التقديرية المختلفة.
ما ستتعرض له الموازنة هو جزء من كل، فلا أحد مستثنى من هذا الوباء وتداعياته السلبية، والمطلوب ثبات في الموقف واشتراكية أكبر في التخطيط للخروج بأدنى الخسائر التي ستلحق بالاقتصاد الوطني.
الغد