كورونا والعرب والعالم
فايروس كورونا عرى النظام العالمي والعلاقات الدولية، وأول ما سقطت منظمة الصحة الدولية، في مواجهة ردها على اتهامات الرئيس الامريكي ترامب بالتقصير والعجز والفشل، والتلاعب في حقائق الفايروس القاتل.
كورونا تسببت في إيقاف واشنطن لدعهما السنوي لمنظمة الصحة العالمية المقدر بـ400 مليون دولار. وحرب الاتهامات مازالت مسعورة بين واشنطن وبكين.من صدر الفايروس القاتل، وماذا اخفت الصين من حقائق طبية وعلمية عن الوباء، وكم عدد الوفيات والمصابين في الصين ؟
لأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية تخوض الدول الكبرى حروب اتهامات حول فايروس. واشنطن وبكين رفضتا تقديم دعم مالي لمؤتمر نظمته المفوضية الاوروبية لتوفير الغطاء المالي لانتاج لقاح ودواء لكورونا، وتمكن من جمع تبرعات تقدر ب8 مليارات دولار.
الصين تتعافى من الفايروس القاتل، وآخر الاخبار تشير الى ان حركة الطيران الداخلية قد عادت الى حيويتها وسابق عهدها بين مدنها، وان اقتصادها بحسب محللين وخبراء ذاهب الى التعافي والخروج من تداعي الازمة الخانقة.
و الصين من بداية ازمة كورونا اعلنت عن استعدادها لتقديم المساعدة والعون والاغاثة والخبرات العلمية والطبية لدول العالم الموبوءة. اتهامات ترامب للصين لم تلق أذانا صاغية في المجتمع الدولي المنهار، والرأي العام الدولي المرعوب والمفزوع من الوباء.
العالم في غمرة كورونا محكوم من قطبين عملاقين : امريكا والصين. ولربما أن الصين تزحف لتكون في صدارة النظام الدولي، دولة قوية : اقتصاديا وعسكريا وعلميا وتكنولوجيا، وانتزعت من امريكا رواسي القطبية الاحادية في حكم العالم.
صحيح، ان كورونا قد ضرب دولا كبرى، وفتك بمئات الاف من البشر، واصاب ملايين، وزرع الهلع والخوف، والرعب في متجمعات العالم المتقدم والمتحضر. ولكن ماكينة البحث العلمي غير متوقفة ومنقطعة التفكير والبحث عن دواء وعقار ومصل لعلاج كورونا. وحلبة السباق مفتوحة بين مراكز الابحاث والمختبرات والجامعات الغربية من استراليا وبريطانيا الى الالمانيا وكندا وفرنسا والصين وامريكا، فمن يسبق اولا لاعلان اكتشاف دواء لكورونا ؟
في العالم العربي الموبوء أصلا ودون فايروسات، كانت دول في بدايات اجتياح كورونا للعالم تخشى الاعلان عن وصول الفايروس اليها، وتتستر على ارقام المصابين، وتتعامل بحذر وسرية وخشية من الاعتراف بوصول الفايروس الفاتك والفاضح لهشاشة دول رخوة وفاشلة وعاجزة.
و دول عربية كادت أن تصنف اخبار كورونا بالعسكرية والحربية السرية. فلا يجوز كشف اعداد المصابين والموتى، ولا اي اخبار عن الفايروس، وكانوا موهومين وينظنون ان كورونا تعني ادانة لانظمة سياسية عاجزة وفاشلة وبلا شرعية.
وفضحت كورونا سياسات محاور عربية وتحالفات هشة ورخوة وديكورية. فلم تلفظ كثير من الدول العربية، ما الذي اصاب جارتها ؟ وماذا تحتاج من مساعدة واغاثة وعون في زمن كورونا ؟ هي قلوب العرب سوداء وعمياء قبل كورونا، فمابالكم في غمرتها ؟
لربما أن إصابات كورونا في العالم العربي متواضعة وقليلة نسبيا مقارنة بما أصاب الصين وأمريكا وأوروبا. ولكن الفضيحة والطامة الكبرى يصعب إخفاؤها كانت في الاقتصاد والرعاية والجاهزية الطبية، والسقوط المدوي لطبقات اجتماعية : الغنى الفاحش، وتحول الطبقة الوسطى الراكزة والوازنة الى فقيرة، والفقراء انتقلوا الى مربع الجوع المدقع والعوز وقلة الحيلة.
كورونا قاتلة، ولكن في العالم العربي، فان الانسان قد يموت قبل وصول الفايروس والاصابة به مئات المرات. واكثر ما يهتك الفايروس اللعين بعمال وموظفي قطاعي : العام والخاص فهؤلاء أساسا قبل كورونا يواجهون الحياة والعيش بعسر وضنك ومشقة لا توصف، فمال بالكم الآن؟
وفي أوروبا وأمريكا فان كورونا ضربت رؤساء حكومة ووزراء وسياسين ورجال اعمال، ونجوم فن ورياضة. فيما لا زالت في العالم العربي تجب ضحاياها من قاع المدن والمجتمعات، والله هو العليم ؟!
الدستور