انتبهوا لتجربة «البلقاء» في التعليم عن بُعد
فرق كبير بين إدارة تنتظر «الأزمة»، أي أزمة، فتتعامل معها بمنطق التجربة بالخطأ والصواب، وبين إدارة تستشرف المستقبل وتفكر بمنطق «المستجدات» فتستعد وتجهز نفسها لمواجهة أي طارئ وجديد، الأولى تتحرك «بالقطعة» وتسير مع التيار وتحبس نفسها في «سجن» الروتين، اما الأخرى فتتحرك بسرعة لمواكبة الزمن وتتحرر من «التقليد» وتنظر الى العالم بعيون مفتوحة على أفضل ما أنجزه، او ما توصل اليه من تجارب متقدمة لتستفيد وتتعلم منه ، وتخدم بلدها وترتقي به ايضاً.
هل كنا، حين نتحدث عن تجارب جامعاتنا وإدارتها، بعد ان كشفتها قصة «التعليم عن بعد» بحاجة الى جردة حسابات، لنحكم على الأداء ونقيم الإنجاز، وننحاز الى جانب «من ابدع» ونقول لمن قصّر قصرت؟
جردة حسابات..؟ ولم لا ، اذا كانت مسطرة «الأداء» هي المقياس الأخلاقي العادل لإنصاف من يستحق ان يستمر في موقعه من رؤساء جامعاتنا، ليكمل مشروع الإنجاز الذي بدأه ، ومن يستحق ان نودعه بكلمة: شكراً، مشفوعة بالاعتذار عن عدم السماح له بالاستمرار.
لا أريد ان انتقص من جهود أي أحد او أي مؤسسة، ولكنني أتمنى ان أساهم ، نيابة عن الضمير العام، بهذه الجردة من الحسابات لنموذج اطلعت عليه، وهو نموذج جامعة البلقاء التطبيقية في «التعليم عن بعد» ، ليس فقط لأنه يستحق الإعجاب والتقدير، وإنما لأنه يصلح ان يكون «مدرسة» نتعلم فيها فن الإدارة الجامعية ومهارة الاستشراف والأداء والتطبيق في هذا المجال ، لتستفيد منه مؤسساتنا التعليمية أولاً ويستفيد منه بلدنا الذي يطمح لجذب المزيد من أشقائنا للدراسة في جامعاتنا.
قبل ان تداهمنا أزمة كورونا ويصبح «التعليم عن بعد» خيارنا الاضطراري، كانت جامعة البلقاء التطبيقية «جاهزةً» تماما للتعامل مع هذه التجربة الجديدة على بلدنا، ففي عام ٢٠١٧ بدأت الجامعة بتدريب عدد من كوادرها المتخصصين في التعليم الإلكتروني (١٩ مدرباً) بالتعاون مع خبراء فرنسيين وألمان ضمن اتفاقية وقعتها مع المعهد الوطني للعلوم والتكنولوجيا الفرنسي، وصولاً الى تدريب كافة أعضاء الهيئة التدريسية، وبعد عام أنشأت مركز التعلم والتعليم عن بعد لتطوير التعليم الالكتروني، الى جانب مركز تكنولوجيا التعليم والتعليم ومركز الحاسوب وكلية الذكاء الاصطناعي حيث تقدم هذه المراكز الدعم الفني لجميع الكليات لإعداد المادة التدريسية.
خلال العاميين المنصرفين ايضاً بدأت الجامعة بزيادة نسبة المساقات الالكترونية التي تدرس في كلياتها، ومنها مساق التربية الوطنية ومساق اللغة الإنجليزية (٩٩) بحيث يتم إعطاء محاضرة واحدة اسبوعاً داخل الجامعة، وبقية المحاضرات عن طريق التعليم عن بعد.
واجهت الجامعة العديد من المشكلات التي تتعلق بالتعليم عن بعد، نظراً لامتداد كلياتها الجامعية في معظم انحاء المملكة، وضعف شبكة الانترنت في بعض المناطق ، وعدم قدرة بعض الطلبة على شراء حزم انترنت، وغير ذلك من المصاعب، لكنها واجهت كل هذه المشكلات، بالتعاون مع شركات الاتصالات ومع المؤسسات الأخرى، وتجاوزتها، إضافة الى انها أنشأت استديوهات خاصة لعرض المواد التطبيقية التي تركز على الجانب العملي في بعض التخصصات.
الآن، تمتلك جامعة البلقاء التطبيقية تجربة ناضجة في التعليم عن بعد، كما امتلكت في السنوات الأربعة الماضية «تصنيفات» متقدمة في مجالات البحث العلمي والأداء الاكاديمي ضمن قائمة المئة الأولى من الجامعات في العالم، وكما تمكنت من إبرام الاتفاقيات مع العديد من الدول الغربية لتمويل مشاريعها العلمية وتحديث بناها «التكنولوجية»، وهي تسجل بذلك أفضل مستوى وصلت إليه منذ تأسيسها قبل نحو خمسة وعشرين عاماً.
الدستور