ماذا يحدث في الضريبة؟
لا يخلو أي خطاب موازنة حكوميّ خلال العقدين الماضيين من التأكيد على محاربة التهرّب الضريبيّ، وأن الجهات الرسميّة لا بد لها من الضرب بيد من حديد المتهربين ضريبيّاً.
لكن ما يحدث على أرض الواقع كان مغايرا للخطاب الرسميّ، والتهرّب الضريبيّ كان بانتشار واضح وبتفنن أيضاً، والأخطر من ذلك أنه كان يتم بمرأى ومسمع من مؤسسات الدولة المختلفة، لدرجة أن المواطن بات لديه قناعة أن كثرة الحديث الرسميّ والنظريّ عن مكافحة التهرّب الضريبيّ هو عبارة عن تستر عمليّ عن المنافسة الحقيقيّة والمطلوبة، لذلك فقد الشّارع الثقة بالخيار الرسميّ في هذا الأمر الذي بات يشكّل تهديداً حقيقياً لقيم العدالة وحقوق الخزينة معاً.
لكن المشهد العام في الضريبة يتغير منذ أشهر قليلة بقوة جارفة، بدأ المواطن والقطاع الخاص يشعر بالتغير الملموس في معطياتها، فإعادة ترتيب البيت الضريبيّ الداخلي كان على سلّم أولويات الحكومة ووزارة الماليّة، وتنظيف الدائرة من كل العناصر أو الموظفين الذين تدور حولهم الشبهات في انتشار عمليات التهرّب الضريبيّ، لأنه ثبت بالدليل القاطع أنه لا يمكن أن يكون هناك تهرّب ضريبيّ في العديد من العمليات المشتبه بها دون تواطؤ من داخل مؤسسات رسميّة وعلى رأسها بعض العاملين في الضريبة ذاتها، لذلك كانت خطة العمل لمكافحة التهرّب الضريبيّ هو البدء بتنظيف الدائرة من المشتبه بهم، وهذا ما حدث فعلاً، مدعوماً في ذات الوقت بإرادة سياسيّة عالية بإعادة حقوق الخزينة ودعمها أيضاً بالكفاءات الإدارية لتعزيز العملية بشكل تام ومحكم.
بعد خطوة الإصلاح الداخليّ في البيت الضريبيّ يتخذ القرار المدعوم بالإرادة السياسيّة بأنه لا حصانة لأي جهة كانت متهرّبة ضريبيّاً، فلا يوجد في قاموس التهرّب الضريبيّ من هم فوق القانون، أو أهم سطوة على الدولة، والجميع تحت القانون، وهنا بدأت كوادر مكافحة التهرّب الضريبيّ معتمدة على معلومات دقيقة بمواجهة هوامير التهرّب الضريبيّ واختراق عشش الدبابير الذي طالما كان المواطنون ينظرون إليهم على أنهم قلاع محصنة فوق القوانين والرقابة على أنشطتهم وأعمالهم المختلفة.
في الأيام القليلة الماضية حدثت تطورات نوعية في جهود مكافحة التهرّب الضريبيّ على أرض الواقع لدرجة أنها أثارت دهشة في المجتمع، بعد أن داهمت كوادر التهرّب عددا كبيرا من كبريات الشركات العائدة لعدد من رجال الأعمال من الوزن الثقيل، وكان التساؤل المشروع؛ هل هذا العمل، فعلاً، حقيقي، أم مجرد استعراض إعلامي لا أكثر من جهات رسميّة؟.
المعطيات على أرض الواقع تدلّل بوضوح أن الإرادة السياسيّة العليا أعطت الضوء الأخضر للحكومة باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتحصيل حقوق الخزينة ومكافحة التهرّب الضريبيّ الذي أشارت بعض الدراسات الرسميّة للبنك الدوليّ أن حجمها في الأردن ما بين (600-800) مليون دولار، وهو أمر كبير جدا يتنافى مع منطق الوضع الاقتصاديّ في المملكة.
مداهمات كوادر مكافحة التهرّب الضريبيّ لأربع جهات خاصة ممن يطلق الشّارع عليهم بقوى اقتصادية نافذة، قد تقود التحقيقات فيها لتحصيل ما يقارب 250 مليون دينار كأقل تقدير إذا ما استثنيت غرامات التهرّب التي تشكّل مثلي المبلغ المستحق، وهذه خطوة مهمة للغاية في تعزيز ثقة الشّارع بخطاب الحكومة الإصلاحي الاقتصاديّ وتحقيق العدالة وسيادة القانون، فلا يجوز أن تبقى جيوب المواطنين هي ملاذ الحُكومات السريع في تمويل نفقاتها المتزايدة، في حين مظاهر التهرّب الضريبيّ باتت حديثا على كل لسان.
التطور في مكافحة التهرّب الضريبيّ هذه المرّة مستند إلى ارتفاع درجة وعي المواطنين في إبلاغ الدائرة عن معلومات حقيقية ودقيقة مكنت كوادر الضريبة من وضع يدها على وثائق في غاية الأهمية دعمت جهودها في التحصيل.
التهرّب الضريبيّ يرتقي لجريمة الخيانة العظمى للدولة، ولا يجوز لأي كان التستر على هذا الجرم الكبير، فسيادة القانون تعني تطبيقه على الجميع بلا أي حصانات أو امتيازات وهذا ما يحدث الآن في الضريبة.
الغد