هل تنجح القاهرة في تعويم حفتر سياسياً وقبلياً؟
في الوقت الذي كان فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يدير مفاوضات للتقريب بين الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي في طبرق، كانت قوات الوفاق المتقدمة تدير مفاوضات مع أعيان مدينة سرت لتسليمها إلى حكومة الوفاق الليبية في طرابلس.
المفاوضات في ليبيا تجري في الميدان بين حكومة الوفاق الشرعية واعيان المدن وزعماء القبائل، بعيدًا عن المؤتمرات الصحفية والمبادرات المحدودة التأثير والفاعلية! خصوصًا ان لاعبين مهمين يغيبون عنها كالجزائر والمغرب وتونس والاتحاد الاوروبي، وهي كيانات لم تبدِ تفاعلًا مع "إعلان القاهرة".
لم يبق للجنرال المتقاعد حفتر سوى القاهرة التي استضافته على مدى ثلاثة ايام على امل لقائه عقيلة صالح الذي رفض اعلان حفتر نفسه حاكمًا مطلقًا للبلاد، ليطلق في المقابل مبادرة "الأقاليم الثلاثة" للخروج من مأزق الهزائم المتتابعة للجنرال، وتذمر القبائل من أدائه السياسي والعسكري.
مسارعة القاهرة إلى إطلاق مبادرة سياسية جديدة مستعجلة غابت عنها العواصم المهمة كالجزائر وتونس والمغرب وبروكسل، عاكسًا مستوى القلق لدى الرئاسة المصرية القلقة من تكرار مشهد هزائم حفتر، وتسليم المدن في الغرب الليبي؛ فنفوذ حفتر ينهار بتسارع، وتفكك معسكر حفتر في الشرق الليبي ممكن جدًّا في ضوء الخلافات القبلية، والهزائم العسكرية، والعزلة الدولية والاقليمية.
القاهرة تبذل جهودًا محمومة لتعويم حفتر سياسيًّا وقبليًّا وإقليميًّا؛ فلغة الجسد لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح أظهرت تباعدًا كبيرًا عن حفتر يفوق مسوغ مخاطر "كورونا"، وفتورًا كبيرًا، وحماسة مفقودة لتبني رواية القاهرة. في حين شن حفتر في خطابه وبحضور السيسي هجومًا قويًّا على أنقرة، بينما أبقى صالح الباب مفتوحًا مع أنقرة بخطاب أقل تشنجًا من خطاب غريمه حفتر.
التحولات والانعطافة في ليبيا كبيرة لم تقتصر على المشهد الميداني؛ فالتحولات الاقليمية تؤكد ان موازين القوى تغيرت، خصوصًا بعد لقاء السراج الرئيس الجزائري بن تبون، وجولته التي طالت موسكو وأنقرة، تبعها الاعلان عن السيطرة على مدينة ترهونة وبني وليد، وتقهقر قوات حفتر بالكامل من الغرب الليبي؛ وهو ما استدعى مبادرة سياسية للدفاع عن مكانة حفتر الاقليمية والدولية؛ أمرٌ تنبهت له حكومة الوفاق لتعلن رفضها المبادرة المصرية، كابحةً جماح التأييد والدعم الدولي والاقليمي لـ"إعلان القاهرة".
القاهرة المنشغلة في عقد مصالحات بين حفتر وصالح لم تتمكن من الحصول على دعم دولي روسي أو أمريكي أو أوروبي لمبادرتها؛ فرفض حكومة الوفاق على لسان خالد المشري رئيس مجلس رئاسة الدولة أحبط جهود القاهرة، مع ما فاقمه الواقع الميداني؛ ذلك أن تعويم الجنرال المتعثر يقابله إحباط في موسكو من فشل الجنرال المتكرر، ومن الرهان على ورقة خاسرة؛ ما دفعها إلى استقبال السراج في موسكو.
حفتر يخسر داعميه واحدًا تلو الآخر، ولم يبقَ أمام القاهرة الكثير لتفعله إلا ارسال قوات مصرية لمواجهة تقدم قوات الحكومة الشرعية بقيادة السراج، نحو الهلال النفطي، ومدن الشرق الليبي التي ستفاوض أسوة بسرت، وبعيدًا عن أعين القاهرة.
مفاوضاتٌ من الممكن ان ينضم لها صالح برعاية جزائرية او مغربية؛ فالقاهرة تجاهلت أهم لاعبين عند تقديم "إعلان القاهرة"، كما تجاهلت اتفاق الصخيرات؛ فأنقرة وأبو ظبي لم تكونا يومًا اللاعب الوحيد الذي يجب أن يشغل بال القاهرة، وإلا ما هُزِم حفتر، وعُزِل سياسيًّا بتلك السهولة.
السبيل