حريق في محطة التنقية
خلال الأيام والاسابيع الماضية سجل في الأردن العشرات من حوادث الحريق التي ألحقت اضرارا بالأرواح والاموال وأذى بمشاعر الناس، بعض الحرائق كان مفتعلا والبعض الآخر نجم عن اخطاء واسباب غير معروفة تماما. في اربد وعجلون ومادبا والطفيلة وسائر ارجاء البلاد يستقبل الناس اخبار الحريق بشيء من الخوف والهلع لا لأنها تشكل تهديدا مباشرا لحياتهم بل لما للنار من رهبة وهالة وارتباطها بالعذاب والشيطان والقدرة على النفاذ والتدمير.
على غرابة الكثير مما سمعنا هذه الايام من قصص واخبار الحرائق والنيران لا أظن أن أيا من هذه الاخبار أغضب الناس وآثار فضولهم اكثر من الخبر المتعلق بإقدام البعض على إحراق محطة تنقية مياه الصرف الصحي في احدى مدن المملكة. المدينة التي يحتاج أهلها إلى الكثير من الخدمات الاساسية ويناضل مجلس التنمية فيها للحصول على خدمات نوعية تحسن من المستوى الصحي ونوعية الهواء والبيئة واجهت صدمة جديدة بسماع خبر الحريق.
حتى اليوم لا توجد تفصيلات عن الحادثة التي أتت على اجزاء من معدات ومنشآت المشروع الممول من وكالة الانماء الاميركية وتقوم على تنفيذه احدى الشركات الاردنية المملوكة لأحد أعضاء السلطة التشريعية. لكن المعروف ان الشركة والمشروع واجها الكثير من المقاومة والرفض والتنمر من قبل بعض المجموعات مما تطلب التدخل الامني وفرض الحراسة الدائمة. بعض الاتجاهات المعادية للمشروعات التي تنفذ في مدن ومناطق الاطراف تنشأ عن التدخلات التي تقوم بها السلطات المحلية والمتنفذون من النواب ومن يملكون القدرة على التأثير.
في الأردن وخلال العقود والسنوات الاخيرة شهدت العلاقة بين المجتمعات المحلية والشركات الاستثمارية التي تحصل على العقود مع الحكومة شيئا من التوتر. ويعود هذا التوتر إلى عوامل متعددة يرتبط بعضها بانطباعات الاهالي عن العطاءات وكيفية التقدم لها والحصول عليها في حين يتعلق بعضها الآخر بخيبات الأمل الناجمة عن عدم نجاح العاطلين عن العمل في الحصول على فرص مناسبة في هذه المشروعات .
الكثير من المشاعر السلبية يجري توليدها من خلال التدخل السافر الذي يقوم به البعض والهادف إلى الاستحواذ على فرص العمل وتخصيصها لأشخاص وجماعات وحرمان البقية من التنافس على هذه الفرص. بعض النواب يعدون قوائم بالأقرباء والمحاسيب ويذهبون بها إلى الوزارات المعنية التي تقوم بإرسالها لأصحاب المشاريع والمتعهدين الامر الذي يتسبب في معاداة المشروع كنتيجة للتميز وإدخاله ضمن الادوات التي يجري استخدامها لإشهار سلطة النواب وتعزيز شعبية المتنفذين.
في الطفيلة ومعان والكرك وغيرها من محافظات الأردن يشعر الناس ان التدخلات التي يقوم بها النواب وبعض المتنفذين في السلطة التنفيذية تحرم الاهالي والمنطقة من العوائد الاقتصادية وفرص العمل حيث يحصل بعض المقربين من مراكز النفوذ على اكثر من فرصة عمل في حين يعاني المئات من الشباب البطالة والاحباط والتشرد .
التوافقات التي تتم بين النواب والوزراء على التشغيل وتقاسم الفرص المتاحة تولد الكثير من الاحباط والغضب وتغذي المشاعر العدائية لدى ابناء المناطق حيال الشركات والنواب والحكومة وتؤدي إلى دفع البعض إلى تشكيل جماعات غاضبة ومعادية ومستعدة لارتكاب اعمال انتقامية تطال المنشآت والاشخاص والنظام العام.
لكي تتوقف الممارسات الخطرة المعادية للمجتمع والمخلة بالأمن والاستقرار ينبغي على الجميع الالتزام بقواعد معيارية شفافة تحترم الحقوق الاساسية للفرد بالمساواة وتتيح للجميع التنافس ضمن قواعد الكفاءة وبعيدا عن التدخلات والضغوط التي تعمق الفجوة وتولد الغضب وتؤدي إلى حوادث العنف والتدمير.
الغد