حملات الضريبة.. ملاحقة للفساد أم “بروبجندا” سياسية؟
كل الأردنيين يتحدثون عن مكافحة الفساد، وكلهم يرجعون أزمتنا الاقتصادية وزيادة مديونيتنا الى سرقة المال العام، وكلهم ينبهون الى تقصير وتواطؤ الحكومات في ملاحقة الفاسدين الذين يشيرون لهم بأصابع أيديهم باعتبارهم معروفين للقاصي والداني، وفي صالوناتهم يطلقون التصريحات النارية عن اهمية عدم التهاون مع “رؤوس الفساد” والنيل منهم.
كل هذا معروف وتسمعه دائما ومع كل الحكومات منذ عقود، وحين تشمر حكومة عن سواعدها وتقرر الاقتراب من “عش الدبابير” للنيل من كبار الفاسدين تهب العديد من الاصوات للدفاع عنهم، وملخص الحكاية ان ملاحقة الفاسدين امر مطلوب ومستعجل ولكن بعيد عنا، وعن عائلاتنا وعشيرتنا واصدقائنا، وحين تقترب من الدوائر المقربة منا تصبح عملية كيدية، وتصفية حسابات سياسية، وترتفع الحناجر التي تندد وتدين.
هذا الكلام لا يعني أن ننكر على الناس حقهم بالتوجس والخوف والتظلم، فالذاكرة والتجارب السابقة تؤشر الى ان مكافحة الفساد لم تكن نهجا، والتصدي للتهرب الضريبي لم يكن عملا في إطار مؤسسي محكم، وانما شعارات تطلقها الحكومات لغايات شعبوية احيانا، وفي الغالب فزعة تعبر عن مرحلة لا تستمر في زخمها لحماية المال العام، وصون حقوق الناس والاجيال القادمة.
تذكرون قانون الضريبة الذي كان سببا في اسقاط حكومة هاني الملقي، وتذكرون انه استحوذ على اهتمام حكومة عمر الرزاز، ومع الحكومتين وحتى الآن كان الجدل يعلو ويخبو عن التهرب والتجنب الضريبي، ولم تتفق تقديرات الخبراء على رقم محدد لحجم التهرب والتجنب، وفي النتيجة أكدت الحكومة انها غلظت العقوبات على المتهربين ووضعت آليات تسمح بالكشف عنهم.
في الاسابيع الماضية تزايد الحديث عن حملات الضريبة لملاحقة شخصيات معروفة اقتصاديا وسياسيا، ولم يخل الامر من قصص “اكشن” تناقلها السوشال ميديا واصبحت حديث الناس.
يحدثني مدير الضريبة حسام
أبو علي بثقة “التهرب الضريبي خلل ويجب معالجته، وانهم يعملون بمهنية وحرفية وبموجب القانون، والامر لا علاقة له من قريب او بعيد بجوانب سياسية، ونهجهم مؤسسي وسيستمرون عليه”.
أبو علي يؤكد “ان قانون الضريبة الجديد فرض على جميع الجهات توفير المعلومات للدائرة، وصاحب ذلك تطور تكنولوجي مهم، وارتبط كل ذلك بالاعتماد على برامج ومؤشرات لإدارة المخاطر تمكن موظفي الضريبة من اكتشاف الثغرات وملاحقة المتهربين والمتجنبين”.
مدير الضريبة يوضح ان عبء الاثبات بموجب تعديلات القانون أصبح على دائرة الضريبة، وهذا يعزز سيادة القانون مبينا ان المرافقة الامنية مع فرق الضريبة تحدث لمنع وقوع اي خلاف”.
إذن مدير الضريبة يربط ما حدث من ملاحقات بالتحولات التي أنتجها القانون الجديد، ولا يقبل ربطها بسياق سياسي، او حتى الضائقة المالية التي تمر بها الدولة بعد جائحة كورونا.
مهم جدا ان يقتنع الناس بإجراءات الضريبة ويساندوها لتعزيز قوتها وموقفها حتى تضع حدا للتهرب الضريبي، لكن ذلك لن يحدث بين ليلة وضحاها، فالثقة بدائرة الضريبة وموظفيها جزء لا يتجزأ من سياق الثقة بالحكومات واجهزة الدولة، وحتى الآن فإنها ضعيفة ومهزوزة.
لا يتضمن قانون الضريبة عقوبات بالحبس حسب فهمي، ويمكن عمل تسويات مالية تحل المشكلة وتمنع وصولها للمحكمة، وكل ذلك مطلوب وجيد، وما يشغلني دائما سيادة القانون على الجميع، وضمان مسطرة العدالة، والا تستخدم الملاحقة الضريبية بشكل كيدي، وانتقامي، او لتشويه السمعة، واقصاء الخصوم والاطاحة بهم.
سأدعم الجهود لملاحقة المتهربين ضريبيا، فالتهرب او مهما سمي شكل من اشكال الفساد، وبذات الوقت سأكون اول من يعارض اذا ما تيقنت ان هناك ظلما يقع، وان الحملة ليست كلها بريئة، وبعضها بروبجندا سياسية.
الغد