نحن أيضاً بحاجة لـ«خلية تفكير استراتيجي»
تحدثنا في غير مقالة عن حاجة الفلسطينيين لـ»خلية تفكير استراتيجي»، بالنظر للمرحلة الاستراتيجية الجديدة التي تمر بها قضيتهم وحركتهم الوطنيتين...نحن أيضاً بحاجة لـ»خلية تفكير استراتيجي»، لأننا مقبلون على ولوج عتبات مرحلة استراتيجية جديدة، بكل المقاييس والمعاني.
بعد صفقة القرن ليس كما قبلها، بصرف النظر عن تفاوت مرجعياتنا بالنظر إلى هذه المسألة...بعد جائحة كورونا ليس كما قبلها، فالمرحلة الأصعب لتجاوز الجائحة بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، ما زالت أمامنا، حتى بفرض اجتيازنا للشق الصحي–الوبائي من المحنة، مع أننا ما زلنا في عين عاصفتها.
لدينا تفاوتات في النظر للجائحتين معاً، ومن الضروري العمل على تقريب المواقف وبناء توافقات وطنية، حول سبل التصدي لهما، والخروج من تداعياتهما بأقل قدر من الخسائر، حتى لا نقول بأعلى قدر من المكتسبات...مثل هذه المهمة، يتعين على الدولة أن تعمل من أجلها، وأن تشرك المواطنين في إنجازها.
في السياسة الخارجية، لدينا سجّل إنجازات في مواجهة «جائحة العصر»، لا يوازيها سوى إنجازاتنا في التصدي للشق الصحي – الوبائي لـ»جائحة كورونا»...لكن مرحلة ما بعد الضم، والضم آت، والضم حاصل فعلاً لا قولاً، علينا أن نستعد لمواجهتها...وتداعيات ما بعد الجائحة الوبائية، بدأت تطل برأسها الكريه، فعلاً لا قولاً، وعلينا أن نعمل على رفع منسوب المناعة في أجهزة المجتمع كما في أجهزة الدولة، وتلكم مهمة لا تقل صعوبة وخطورة، عن مهمة «تنشيف» الفيروس ومنعه من الانتشار.
كيف نفعل ذلك، فيما نحن لا نقرأ من الصفحة ذاتها؟ ...بعضنا يرى أن «جائحة العصر» شأن غيرنا، وبعضنا الثاني يرى أن ليس بالإمكان أبدع مما كان، وبعضنا ما زال مؤمناً بأن معركتنا مع المشروع الصهيوني ما زالت قائمة، وتتصاعد، وأنها معركة وطنية بامتياز، ولا تندرج فقط سياق الإسناد للأهل في فلسطين...كيف نقرأ من نفس الكتاب، وكيف نصوغ برنامج المواجهة، وكيف نخرج من «المولد بكثير من الحمص» في الوقت ذاته؟
بعضنا يعتقد أن التصدي للخانقة الاقتصادية – الاجتماعية، يكون أساساً، وربما حصراً، بوسائل اقتصادية وأدوات مالية، وأن ما أنجزناه في ملف الإصلاح السياسي يكفي ويفيض عن الحاجة، بل أننا ربما نكون بحاجة لمزيد من «المركزية» و»القبضة الأمنية»، فلا مطرح لـ»دلع» الحريات، و»نقّ» المجتمع المدني و»فضول» الأحزاب السياسية، في حين يرى بعضنا الآخر، أن التصدي الأنجع للجائحة الاقتصادية، يمر حتماً بمسارات الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي...فمن دون مشاركة الشعب الفاعلة، لا يمكن ضمان اجتياز المرحلة المقبلة، بأعلى قدر من الجاهزية، بل ولا يمكن الرهان على قدرتنا على التغلب على تحدياتها...ما الذي يتعين فعله والحالة كهذه، أليس المطلوب إدماج المواطنين في ورشات حوار وطني عميق ومسؤول؟...ألا تمس الحاجة لـ»خلية تفكير استراتيجي» تتمثل فيها مختلف المشارب والمدارس السياسية والفكرية، لبلورة خرائط طرقنا للمستقبل، والعمل على توحيد الرؤى وإرساء قواعد «التوافق الوطني» العريض، حول مختلف هذه العناوين؟
نحن مقبلون على انتخابات نيابية عامة، وليس ثمة من ضمان من أي نوع، لأن تأتي بنتائج مغايرة لآخر انتخابات، وليس ثمة من ضمانة لأن يأتي البرلمان الـ19 مغايراً للبرلمان الحالي، الذي قيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر...لا بأس من التمديد للبرلمان سنة أخرى، ولا بأس بتأجيل الانتخابات، شريطة أن تستغل الفسحة المستقطعة، لإدارة مثل هذا الحوار، تحت مظلة خلية تفكير استراتيجي، وصولاً لبناء التوافقات حول عناوين وطنية كبرى، ولا بأس من تتويجها بميثاق وطني جديد، يبني ويطور التوافقات الوطنية الأردنية حول الميثاق الوطني «القديم».
الدستور