خطر عودة تفشي الوباء حقيقي..!
شرع حتى أكثر الأردنيين حذرا من عدوى “كوفيد 19” في التخلي عن حذرهم، فتخلوا عن آخر الدفاعات من الكمامات والقفازات. وبشكل عام، عادت الزيارات والتجمعات –والسلام بالأيدي والأحضان- كما كانت قبل الوباء تقريبا. وفي هذا المناخ، وجد المقتنعون بجديّة الوباء واحتمال عودته أنفسهم وحيدين من نوعهم، يذهبون إلى العمل أو الزيارة أو السوق، فلا يكادون يجدون أحدا يلتزم بشيء. بل وقد يتشاجرون مع عامل المخبز أو البقالة إذا طالبوه باحتياطات السلامة.
وهكذا، صمد آخر الحذِرين ما وسعهم الصمود، ثم استحضروا القول الشائع الذي يُبرر الكثير من الأشياء: “إذا جُنّ ربعُك، لن ينفعكَ عقلُك”. والوضع الوبائي في البلد يُساعد مع انخفاض أعداد الإصابات وكون معظمها غير محليّة. لكنّ الحالات المحلية تعود، كما حدث منذ يومين، لتكون بمثابة إشارة تحذيرية من مغبة الاسترخاء.
لن يجادِل أحد ضد فتح الاقتصاد والأعمال ورفع القيود عن الحركة. فحتى أقوى الاقتصادات العالمية لم تستطع العيش مع الإغلاقات وضررها البالغ على الأعمال والأفراد. لكن الكثيرين من مختصي الأوبئة والمطّلعين في كل مكان–ومنظمة الصحة العالمية قبل الجميع- يحذرون بلا كلل من مغبّة الاستهانة بالوباء والاعتقاد بالعصمة الذاتية منه. وهم يستندون في تبرير مخاوفهم إلى الأرقام والمعطيات الواقعية لحالة الجائحة في العالم.
في أسبوع واحد فقط، أصيب مليون شخص في العالم بالعدوى مؤخرا. وحيث اعتقدت دولُ أنها احتوت الوباء وسيطرت عليه، عاد “بنزعة انتقام”، كما يقول الغربيون. وليس علينا أن ننظر بعيدا، في فلسطين المحتلة، انفجر الوباء بعد تسجيل أرقام منخفضة. وكذلك فعل في إيران، ولبنان، ودول الخليج، وعند الكيان في فلسطين المحتلة. وسجل العراق آلاف الحالات ومائة وفاة في يوم واحد. وباختصار، نحن محاصرون بالخطر المتربص من كل الجهات. ومن الطوباية المفرطة الاعتقاد بأننا واحة معزولة يتطلب وصول الفيروس إليها اجتياز مفازات وأزمان؛ ربما يكون التفشي على بُعد حالَة واحدة تُفلت لأي سبب. ومع عودة الأعمال والاجتماعيات وفتح المطارات مع ترك الحذر، قد ينقض بضعة أشخاص يدخلون البلد بفحص سلبي لا يكشف عن إصابة كامنة، أو مصابون لا تظهر عليهم أعراض ويتجولون بحرية كل الغزل ببساطة.
قال الناس في كل مكان إن الحياة بعد “كورونا” لن تعود كما كانت قبله سريعا. وتصوروا التباعد الجسدي، والنظافة، والتخلص من المصافحة والعناق، وارتداء الكمامات وتقليل التجمعات، باعتبارها “العادي الجديد” –إلى أن يتم اكتشاف لقاح وتوزيعه في العالم على الأقل. لكنّ العادي الجديد في معظم الأماكن هو العودة إلى العادي القديم وكأن الخطر غير موجود. وهذا واضح بشكل خاص هنا في الأردن.
تساءل الأشقاء اللبنانيون مع ظهور بؤر جديدة وكبيرة نسبيا للعدوى بعد أن تدنت الأعداد لتكون قريبة من وضعنا في مرحلة ما، عما إذا كانوا بحاجة إلى مناخ من الهلع حتى يستعيدوا الحذر الذي غادروه. ولا أحد يريد مواجهة الهلع الذي يصاحبه انهيار النظام الصحي وكثرة الوفيات وعودة الإغلاقات والحظر فخراب الاقتصاد. ومع ذلك، لا يبدو أن كل التحذيرات من الموجات الثانية القاسية تقنع الناس بالالتزام بالوصفات البسيطة لمحاصرة العدوى.
لا ضرر على الإطلاق من تكرار التحذيرات والتذكير بأسوأ السيناريوهات حتى عندما تكون الحالة الوبائية المحلية جيدة. وبغير ذلك سيكون الحال مثل الذي يقود سيارته ليلا مطمئنا إلى الشوارع الخالية، فيسرع ويتهور ولا ينظر حوله. فإذا خرج له أحد من حيث لا يتوقع، يغلب أن يكون الحادث كارثيا.
وضعنا الوبائي الجيد نسبيا، والفتح الحالي والمتوقع لباقي القطاعات، هي أسباب تدعو إلى عمل المزيد للمحافظة على الشعور بالأمان وليس التفريط فيه. أما التخلي عن سبل ووسائل الوقاية –إذا تبقى منها شيء من الأساس- فيذهب في عكس الاتجاه العالمي للوباء، ويخالف توصيات الجهات الصحية المحلية والعالمية. والإجماع هو أن أحدا لن يكون في مأمن ما لم يتم القضاء على الوباء في كل بلد في العالم. وبالنسبة لنا هنا، الخوف أن تحقق المقولة الحكيمة “من مأمنِه يؤتى الحذِر”.
الغد