لماذا لا نعود للتخطيط الاقتصادي الاجتماعي؟
لقد دأب الأردن منذ السبعينيات وحتى أواخر التسعينيات الاعتماد على الخطط الاقتصادية والاجتماعية العابرة للحكومات، وتمثل ترجمة لتوجهات الدولة ومتطلبات التنمية في تلك الفترة. بعد الولوج لعملية الخصخصة، تحول التفكير الاقتصادي في الأردن إلى اعتماد برامج وخطط اقتصادية ينصب معظمها على تشجيع الاستثمار وإزالة العوائق أمام الاستثمار الأجنبي والبنية التحتية للقطاع الخاص. لا اعتراض على إجراءات كهذه ولكن الذي حصل أن ذلك جاء على حساب البعد التنموي للاقتصاد من جانب ومن جانب آخر على حساب العديد من المجالات غير الاقتصادية وبدأنا نلاحظ وجود استراتيجيات لكل موضوع يركن على الرف في أغلب الأحيان.
إن غياب التخطيط الاستراتيجي أدى إلى إخلال التوازن في عملية التنمية وزيادة الفجوة الاقتصادية بين المحافظات والمواطنين وتنامي الفقر وتم إهمال القطاع الاجتماعي بالكامل والذي نحصد نتائجه الآن على شكل العديد من المشكلات المزمنة.
الأردن ليس دولة شمولية ولم تكن كذلك يوما ما والعودة للتخطيط الاستراتيجي هي ليست دعوة للشمولية وإنما دعوة لدور فاعل للدولة في العملية الاقتصادية والتنموية.
هناك العديد من الفوائد والإيجابيات التي كانت تحققها الخطط الاقتصادية والاجتماعية وكما يلي:
أولًا: كان يتم تطوير الخطط بشكل جماعي ويشترك في إعدادها الخبراء الأردنيون والقطاع الخاص وموظفو الدولة وكافة الأطياف السياسية وبالتالي كانت تشكل حالة من الاجماع على الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في تلك المرحلة، ودليل عمل للمؤسسات في تلك الفترة.
ثانيًا: كانت الخطط تبنى على التكاملية بين كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فان الخطط القطاعية كانت تخدم الأهداف الاستراتيجية التنموية بشكل عام.
ثالثًا: غالبا ما كانت ترتبط الخطط بميزانية لتنفيذها ترصد بالموازنات العامة وبالتالي محاولة توفير المصادر لتلك الخطط. في هذا السياق أذكر أنه قبل عدة سنوات تم إطلاق استراتيجية لمكافحة الفقر وبعد الانتهاء من الاستراتيجية سألت الوزير المعني فيما إذا كانت هناك ميزانية سيتم رصدها لتنفيذ الاستراتيجية فأجابني بالنفي فكان ردي بانه لا فائدة من استراتيجية بدون وجود تمويل لتنفيذها. هذا حال العديد من الاستراتيجيات التي تجد مكانها على الرفوف بدلا من التنفيذ.
رابعا: أصبحت هذه الخطط مرجعا للمعلومات والبيانات والتحليل يستفيد منها الممارسون والأكاديميون والتي انجزت بعقول أردنية خالصة.
أنا لا أمجد هذه الخطط ولا أدعي نجاحها ولكن أقول بأنها كانت تمثل العقل الجمعي للدولة والمجتمع وتتحمل النجاحات كما الفشل ولكنها كانت تتم بطريقة تشاركية.
قد يقول البعض إن زمن التخطيط المركزي قد ولى وانتهى وأصبح من الماضي وهذا غير صحيح حيث أن التخطيط بهذا المستوى موجود حتى في أعرق الأنظمة الرأسمالية وبدون التخطيط لا يمكن إنجاز الأهداف الوطنية التنموية بأبعادها المختلفة.
في غياب التخطيط الاقتصادي العابر للحكومات تحولت الأخيرة إلى حكومات تسيير أعمال اقتصاديا وتعتمد على خطط ومتطلبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والذي يكون ضروريا أو مفيدا ولكنه بالتأكيد غير كاف لتحقيق الأهداف التنموية الوطنية والنتائج تتكلم عن نفسها.
لقد بتنا قاب قوسين أو أدنى من الاحتفال بمئوية الدولة، فهل تستعيد الدولة زمام المبادرة وتقود عملية التنمية الاقتصادية لا سيما وان جلاله الملك يؤكد على ضرورة الاعتماد على الذات؟ انه الوقت المناسب لذلك.
الغد