تعديلات “الفساد”
اهم ما جاء في التعديل الأخير على قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، منح صلاحيات علنية للهيئة في المراقبة على النمو غير الطبيعي لثروات الأشخاص الخاضعين لأحكام القانون، وتمكين الهيئة من ملاحقة مرتكبي جرائم الكسب غير المشروع، واسترداد الأموال الناشئة عنها.
هذا التعديل له دلائل مهمة للغاية، لأن عملية مكافحة الفساد بدأت الآن بالانتقال إلى مرحلة جديدة من عملها سيجيب على تساؤلات الشارع الذي كان على الدوام يثير الشكوك حول ثروات الكثير من الجهات الطبيعية التي حققت ثراء فاحشا في فترات زمنية قياسية رغم ان طبيعة عملها محصورة بالخدمة في القطاع العام، وهذا العمل لا يحقق ثراء لصاحبه إلا اذا اختلط عمله بأعمال أخرى مبنية على قوة وصلاحيات المنصب الذي كان يخدم فيه، فليس من المعقول ان يكون موظفا عاما يسكن في ارقى المناطق ويمتلك من العقارات والأصول والأموال ما يغطي احتياجات قرية كاملة.
هذا التعديل إذا ما نفذ سيضع قانون إشهار الذمة موضع التنفيذ العملي، وسيجعل من أي مسؤول أو من يتبوأ مقعد المسؤولية العامة ان يضع أمام عينيه أن هناك حسابا ورقيبا أثناء عمله أو بعد تقاعده.
تعديل آخر يعتبر نوعيا، هو منح الهيئة إجراءات فورية للمصلحة مع مرتكبي جرائم الفساد بعد إعادة المبالغ المنهوبة كليا، مما يفتح المجال وبشكل مباشر وملموس في تفعيل استرداد الأموال والأصول الناشئة عن أفعال الفساد.
حتى قضايا غسيل الأموال وهي قضايا ليست منتشرة في الأردن وهي غريبة عليه إلى حد ما، باتت اليوم هي الأخرى في مرمى معالجات هيئة مكافحة الفساد من خلال السماح لها بالتدخل في إجراءات التحقيق في قضايا غسيل الأموال، وهو مؤشر مهم على مثل هذه النوعية من الجرائم التي بدأت تتسلل للاقتصاد الوطني نتيجة التدفقات البشرية المروعة من سنوات لداخل أراضي المملكة تحت مسميات مختلفة.
تعديل آخر له ارتباط وثيق بإصلاح العملية السياسية والارتقاء بآلياتها، وهي ظاهرة شراء الأصوات في العملية الانتخابية التي كان واضحا تناميها بشكل كبير في المجتمع في السنوات الأخيرة، فالتعديل الأخير في قانون “الفساد” اعتبر الجرائم المتعلقة بالمال السياسي أو الأسود وشراء الذمم أفعال فساد يحاسب عليها القانون.
ولم تخل تعديلات القانون الجديد من حماية الشخصيات من الاغتيال الإلكتروني وغيره عبر نشر الأكاذيب والإشاعات التي تطال المواطنين وتغتالهم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، فهذه أفعال باتت جزءا من أعمال مكافحة الفساد في الدولة.
التعديل الأوسع في القانون هو تجريم استغلال النفوذ كجريمة فساد، والمقصود باستغلال النفوذ هو تمكين شخص أو محاول تمكينه للحصول من الإدارة العامة على وظيفة أو خدمة أو اتفاق توريد أو عطاء أو مقاولة أو قرار أو أي ميزة أخرى غير مستحقة.
ويلاحظ من التعديل الأخير انه واسع وفضفاض في الوصف، مما يؤكد جدية التعديلات في الارتقاء بمفاهيم النزاهة والشفافية في إجراءات الخدمة العامة على مختلف مستوياتها، وذلك بإدخالها الى صلاحيات الهيئة.
التعديلات السابقة في غاية من الأهمية لأنها تبنتها الهيئة في مرحلة جديدة في مكافحة الفساد بشكل أكثر عمقا، إذا ما أحسنت تنفيذ القانون بشكل يلبي غايات المشرع الرئيسة وهي مكافحة الفساد بكافة أشكاله.
الغد