النقل العام في زمن كورونا
بالرغم من أن قطاع النقل العام عانى الكثير في زمن جائحة كورونا؛ إلا أن هذا القطاع ما زال يعاني الكثير بالرغم من إشتراطات التباعد الجسدي والوقاية الصحية وغيرها؛ وربما يكون ملف النقل العام في الأردن هو الأهم هذه الأيام، ويتربّع على سلّم الأولويات الوطنية قبل ملفي الطاقة والمياه وحتى ملف التعليم وغيرها، ببساطة لأنه قطاع داعم للإقتصاد الوطني الأردني وخدمة المواطنين وراحتهم النفسية والمالية والبدنية ومواعيدهم وداعم لقطاعات الإنتاج والإستثمار ومُخفّف للأزمات والإختناقات المرورية والتصرفات الهوجاء للبعض إبّان السياقة وعوادم المركبات، ومؤشر حضاري لخدمة الحكومة للمواطنين وإحترام الوقت، وغيرها من الفوائد الجم، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة لأننا فعلاً تأخّرنا كثيراً عن ركبْ العالم المتقدّم في هذا السياق بالرغم من الجهود الفردية التي تم بذلها تراكمياً في هذا المضمار.
بالرغم من أن العمل في الباص السريع على قدم وساق؛ إلا أنه لم ينتهِ بعد؛ وأعلم بأن دراسات النقل العام جاهزة منذ أكثر من عشر سنوات وأن التنفيذ يراوح مكانه لمشاريع النقل العام والسبب عدم توفّر الدعم المادي ومصادر التمويل لذلك، لكننا فعلاً نحلم بأن يكون لدينا أسطول للنقل العام بكافة أنواعه من قطارات فوق الأرض وتحت الأرض وباصات التردد السريع والنقل الحضري المتطوّر وغيرها خدمة للمواطن وفق رؤى جلالة الملك حفظه الله.
زيارة خاطفة لأي دولة في العالم المتقدّم يلاحظ فيها حجم الفرق فيما يخص قطاع النقل العام بيننا وبينهم، مما يؤثر على سلوكيات وعادات الناس للأفضل، ومما يؤشّر لرتابة الحياة وإدارة الوقت وتعظيم الخدمة المقدّمة، فهذا القطاع يعزّز ثقة المواطن بالدولة.
نحتاج لمنظومة متكاملة من النقل العام من خلال مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص والجهات الدولية المانحة والشركات العالمية لبناء أسطول النقل العام، وبالطبع لن يتم ذلك سوى بالتشبيك والنماذج المالية والتشغيلية اللازمة.
نحتاج لنرى باصات التردد السريع التي طال إنتظارها في عمّان ومدننا العزيزة الأخرى، ونحتاج لنرى سكة الحديد الوطنية الأردنية على الأرض تعبر المدن من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، ونحتاج لتصل سكتنا الحديدية الوطنية بدول الجوار، ونحتاج لنرى القطارات الخفيفة بين عمان والزرقاء وبين إربد وعمان وبين العقبة وعمان وبين بقية المدن الرئيسة على الأقل.
نحتاج لنبدأ بمنظومة النقل الحضري في عمان وإربد والزرقاء والكرك ومعان والمفرق والرمثا والطفيلة والسلط والعقبة وجرش وعجلون ومأدبا وغيرها، ونحتاج لضبط مواعيد إقلاع ووصول المركبات ووسائل النقل العام ليضبط الناس بوصلتهم وأهدافهم وخدماتهم ومواعيدهم وغيرها.
نحتاج لتعظيم نموذج باصات النقل التابعة لشركة جت وشركة حجازي لتكون على مستوى الوطن، لنُحسّن مستوى خدمات النقل العام الذي يئنّ صوب أنظمة النقل الذكية، ولنرى أننا تقدّمنا كثيراً في مجال النقل العام.
نحتاج لمبادرات وطنية أردنية صادقة لتأسيس شركة وطنية أو صندوق لقطاع النقل العام والمساهمة في مساعدة هذا القطاع للوقوف والنهوض على رجليه، ونحتاج لنضع مشاريع على النار وعلى أرضية صلبة.
نحتاج لوضع إستراتيجية عصرية لمنظومة النقل العام قابلة للتطبيق يساهم بها الجميع وبتشاركية بين القطاعين العام والخاص، ونحتاج لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب في هذا القطاع للمضي قُدماً به صوب الإنتاج والتقدّم للأمام لنرى النور في نهاية النفق.
نحتاج لبرامج لتعزيز ثقافة النقل العام لدى الناس للإستغناء عن أساطيل المركبات الخصوصية، ونحتاج لتغييرات جذرية في ثقافتنا المجتمعية في هذا الصدد ليقبل الجميع إستخدام المواصلات العامة سواء الرسميين أو الشعبيين.
وأخيراً؛ بعد زمن كورونا علينا أن نعدّ العُدة للّحاق بالعالم الذي سبقنا كثيراً في قطاع النقل العام، وأن نبدأ متأخرين خيراً من أن لا نبدأ، فالقوى البشرية الأردنية رائدة في هذا المجال وطاقاتنا فوق الأرض عظيمة ومواطننا المنتمي والواعي يستحق خدمات نوعية أكثر، وقطاع النقل أولوية وطنية لقيادتنا الهاشمية، ونحلم بأن تتحقق رؤانا جميعاً لواقع في هذا القطاع الذي بات الأولوية الوطنية رقم واحد.
* وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق - رئيس جامعة جدارا
الدستور