الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية
الفكرة المشتركة بين كل الأصوات التي تشكك بفاعلية الاكتفاء بالادوات التقليدية للسياسات الاقتصادية (المالية والنقدية)، فتطبيق هذه الادوات ينطوي على فرضية واضحة (ومرفوضة ويجب مراجعتها)، قوامها تمسك صانع السياسة الاقتصادية بالتكوين الهيكلي للاقتصاد، وترك الاقتصاد ليعيد هيكلة نفسه بشكل تلقائي، مهما أخذ من وقت. والفكرة المرفوضة هنا، هي أن الدولة ليس مهمتها قيادة إعادة الهيكلة للاقتصاد في ظروف الأزمات، وإنما فقط مساعدته على التحول.
جزء من أطروحة عدم تدخل الدولة في هيكلة الاقتصاد، لها مسوغاتها الاقتصادية النظرية والعملية، ولكنها على المدى الطويل هي استقالة للدولة من دورها الاقتصادي القائد. والبحث يتركز على سؤال مركزي هو: ما الذي يمكن للدولة أن تقوم به، لإعادة هيكلة الاقتصاد دون التدخل في النشاط الاقتصادي، وخنقه بإجراءات تفصيلية. بمعنى أن هناك محددات لدور الدولة الاقتصادي (في إعادة هيكلة الاقتصاد) تتركز في مستويين: الأول هو شروط ومحددات التدخل، والثاني هو الأدوات التي تحقق هذه الشروط ولا تخل بها. ومفهوم الإصلاحات الهيكلية من خلال الدولة، ليس جديداً، فهو أساس العديد من السياسات التي تم اتخاذها منذ ثمانينات القرن الماضي. ولكن الفرق هو في أولوية هذا الدور، والانتقال به، من هيكلة الملكية (لتحفيز تشكل رأس المال الوطني، وزيادة معدلات تراكمه عبر الخصخصة)، إلى هيكلة سلاسل التزويد، عبر تحفيز الانتاج في قطاعات محددة.
نظرياً، السياسات المالية والنقدية الكلية، إذا استمر تنفيذها بذات الطريقة، فإنها تعمق الازمات الهيكلية ولا تقدم لها حلولاً. وقد بدأ، الأردن يتلمس محدودية أثر الإجراءات النقدية والمالية، على تحفيز الطلب، وحماية العرض من التداعي تحت الضغوط المالية والنقدية. فليس المطلوب التخلي عن هذه الادوات، ولكن توجيهها، وبدء استخدامها بشكل (مركز) لتحفيز العرض (الانتاج) في قطاعات محددة. فالثابت الاقتصادي المركزي احصائياً، هو أن تحفيز الانتاج في أي قطاع مركزي، من شأنه تحفيز الطلب في كل قطاعات الاقتصاد.
تحولات ما بعد الوباء، أعادت الأهمية للحديث عن التكامل مع الاقتصاد العالمي، عبر تطوير وتكامل سلاسل العرض المحلية، باعتبارها حلقات مركزية في سلاسل التزويد الإقليمية والعالمية. وهذا يعني بكل بساطة، اكتساب الاقتصاديات الوطنية وزناً جديداً (من خلال تكوينها القطاعي)، وسلاسل التزويد القطاعية. فهناك فرضية تتزايد قيمتها منذ حصول بول كروغمان على جائزة نوبل قوامها: أن سلاسل التزويد العالمية والإقليمية، ليست قادرة، كما كانت في السابق، على العمل بشكل تلقائي (بمعزل عن سلاسل التزويد المحلية).
اردنياً، لسنا بحاجة للبدء من الصفر، فهناك تاريخ يمكن التعلم منه، في تحفيز القطاعات. صحيح أن حصاد الماضي يعزز المطالبة بتطوير الطريقة والمقاربات التي اعتمدت للتطوير القطاعي، ولكن هناك تجربة وكنز من المعلومات، يمكن استخلاص الكثير منه، لتصميم سياسات تحفيز قطاعية جديدة، تتجنب استعصاءات الماضي، وتمكن من التقدم وتصميم أدوات جديدة للتحفيز القطاعي. فالخلل، لم يكن في استراتيجية التحفيز القطاعي، ولكن في الادوات المؤسسية التي استخدمت لهذه الغاية.
المقترح، هو تقديم محفزات نقدية (منتجات بنيكة جديدة) للمستثمرين في قطاعات محددة، ومحفزات ضريبية للمستثمرين في هذه القطاعات (وقف تصاعد نسبة الضريبة في هذه القطاعات عند مستوى محدد)، إدارياً وقانونياً، تسهيل حسابات المخاطر على المستثمرين في هذه القطاعات المقترحة، إضافة إلى إشراك الجامعات كروافع لتطوير الانتاجية في هذه الاقطاعات. إذ لا يمكن تحفيز أي قطاع، بمحفزات مالية ونقدية معزولة، ولا بد من تعزيز أي مقاربة تحفيزية، بما يلزم لتغطية طيف التعقيدات التي طرأت في العقود الاخيرة، على شروط نجاح الاستثمار في أي قطاع.
الدستور