بانتظار مبادرة من المدارس الخاصة؟
الحيرة كانت بادية جدا على وجه وزير الصحة الدكتور سعد جابر عند حديثه عن مستقبل التعليم في الأردن مع اقتراب بدء العام الدراسي في الأول من شهر أيلول المقبل، وفي إجابته المبهمة وغير الواضحة بشأن طبيعة وشكل التعليم المنتظر، كان الوزير جابر يؤكد أن الحكومة تدرس جميع الخيارات ضمن معايير صحية صارمة.
وزير الصحة لم يخف حالة الإرباك التي تعاني منها الحكومة في هذا الملف، فهو يوضح أن عودة الطلبة إلى صفوفهم الدراسية في ضوء التطور الحالي لحالات كورونا المسجلة محليا خطيرة جدا. في المقابل لم يتردد في الإشارة إلى وجود تخوف على مصير نحو 46 ألف معلم في المدارس الخاصة في حال كان التعليم عن بعد.
الحكومة حائرة بين أولوية صحة المواطن والتي يعكسها اتخاذ قرار بعدم السماح بانتظام الطلبة في مدارسهم، وبين أرزاق المعلمين، ومصالح المدارس الخاصة التي قال نقيبها إنها تعاني كثيرا جراء تراجع نسب التسجيل فيها بنحو 50 %.
على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتردد المواطنون في إطلاق أحاديث تعكس عدم ثقتهم بموقف الحكومة بهذا الشأن، فهم يرون أن قرار الدراسة عن بعد متخذ مسبقا، أو على أقل تقدير أن الدراسة ستكون مقسمة بين المدرسة والمنزل تنفيذا لسياسة التباعد، وأن الحكومة ترفض الكشف عن ذلك وتضغط على المواطنين حتى تضمن أن الأردنيين قد سارعوا إلى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة حفاظا على استقرار هذه المؤسسات التعليمية، وبالتالي القطاع بأكمله.
الحقيقة الوحيدة في هذا الأمر هي أن الحكومة لا تكترث لأرزاق الأردنيين الذين سيضطرون في لحظة ما إلى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة وبأقساط عالية، حتى وإن كان التعليم عن بعد. المواطن سيقع ضحية كون المدارس الحكومية تمتلئ الآن عن بكرة أبيها، وكثير ممن راجعوها لتسجيل أبنائهم لم يجدوا مقعدا واحدا، هذا من جانب، ومن جانب آخر ما تزال المدارس الخاصة تتزمت، رغم حاجتها الماسة للطلبة، بموقفها بخصوص قيمة الأقساط السنوية.
المدارس الخاصة تصر على إبقاء هذه الرسوم مرتفعة من دون أن تقدم أي امتيازات تجذب المواطنين وتدفعهم للتسجيل فيها، بل أيضا لا تتردد في لي ذراع الحكومة عبر التلويح بسيف مصير العاملين فيها.
في النهاية، لا بد أن تفرج الحكومة عن خطتها للعام الدراسي المقبل. سيجبرها على ذلك تمدد فيروس كورونا أو تراجعه، وحتى تلك اللحظة يحرص الأردنيون على عدم تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة إلى حين انجلاء الرؤية ووضوحها.
ربما الأجدر اليوم، إذا ما أردنا إرضاء جميع الأطراف، أن نضمن تحقيق معادلة من شأنها الحفاظ على أن صحة المواطن أولوية، كما أولوية أرزاق المعلمين واستقرار المدارس الخاصة، وبذات الوقت مراعاة وضع المواطن المالي الذي يمر بواحدة من أسوأ الفترات وأصعبها، وبالتالي عدم إجباره على اللجوء إلى المدارس الخاصة ودفع آلاف الدنانير من أجل تعليم عن بعد.
الحل يبدأ من المدارس الخاصة، التي يجب أن تهبط من برجها العاجي، وأن تقرر أن العام الدراسي الحالي ليس عاما للربح المادي. بالتأكيد مع حقها ضمان عدم التعرض لأي خسارة، وذلك عبر التوصل إلى اتفاقية مع أولياء الأمور بأن هناك تخفيضات تصل إلى أكثر من 60 % من قيمة القسط إذا ما كان العام الدراسي عن بعد، شريطة أن يدفع المواطن قيمة القسط كاملا إن كان التعليم في الغرفة الصفية.
المسألة منوطة فقط بأصحاب المنشآت التعليمية، الذين يجب أن يبادروا بأنفسهم إذا ما أرادوا الخروج من أزمتهم المرتقبة، الحل ليس بيد الحكومة وحدها التي ستعاني من تدفق غير مسبوق إلى مدارسها، والتي يجب أن تحمل هذه المنشآت مسؤولية الأمان الوظيفي للمعلمين، والإداريين، وليس أيضا بيد أولياء الأمور الذين ينتظرون خطوة للأمام من إدارات المدارس الخاصة، التي هي المتأثر الأكبر جراء تعنتها.
الغد