لا للإعفاءات
أَحسَنَ وزير الماليّة بالاعتذار الرسميّ لرئيس الوزراء بعدم منح إعفاءات لأيّ جهة كانت، لأنها مخالفة لسياسة الدولة الاقتصاديّة.
لكن المؤسف هو نص كتاب رئيس الوزراء بهذا الشأن في هذا الوقت على وجه التحديد، لأنه يتجاهل قرار مجلس الوزراء الصادر في شهر تشرين الثاني(نوفمبر) الماضي والذي أوقف كل أشكال الإعفاءات من جهة، ويتعارض كُلّياً مع برنامج الإصلاح المالي المتفق عليه مع صندوق النقد الدوليّ، لكن يأتي كتاب الرزاز بلا هوية ولا “طعم” اقتصاديّ أو سياسيّ، وقد يكون من باب رفع العتب عن كاهله نتيجة تزايد الطلبات عليه لا اكثر.
إيقاف الإعفاءات، سياسة اقتصاديّة سليمة، وجاءت في وقت شعر صانع القرار بالهدر الماليّ الكبير الذي تم من خلالها منح الإعفاءات على أشكالها المختلفة دون ان يكون لها مردود اقتصاديّ سليم رشيد يعود على الاقتصاد الوطنيّ بالنفع والنموّ المُستهدف.
من يصدق ان خزينة المملكة التي تعاني عجزا ماليّا يتجاوز ملياري دينار قبل المساعدات تمنح إعفاءات سنويّة بقيمة تصل لمليار دينار لقطاعات مختلفة تحت بند تشجيع الاستثمار والاستفادة من ثغرات قانونيّة وفرتها قوانين وتشريعات مكّنتها من التسلل لتلك الإعفاءات بهذا الحجم الكبير.
الإعفاءات كانت تمنح بوسائل متعددة، وتحت أشكال مختلفة، لكن السمة الأبرز فيها هي لغايات مؤسسية بالتعاطي معها، فهناك مشاريع كبرى حصلت على إعفاءات بقيمة تناهز قيمة المشروع الاستثماريّ نفسه، وهناك مشاريع مشابهة حصلت على إعفاءات اقل، وأخرى لم تحصل على شيء، وكُلّ هذا تم بموافقات رسميّة من مجلس الوزراء بناء على تنسيقات الوزراء والمعنيين، والتباين في الإعفاءات سببه قوة التدخل من أصحاب النفوذ والقوى عند الحكومة والجهات المعنية، بمعنى درجة الواسطة والمحسوبية هي التي كانت تحكم درجات الإعفاء ومستوياته وقيمته، وهذا أمر بعيد كُلّ البعد عن مؤسسية العمل، لأنه محكومة بمزاجية المسؤول اولا وأخيراً.
الأكثر اهمية من الناحية الاقتصاديّة هو فقدان القيمة المضافة لتلك الإعفاءات على الاقتصاد الوطنيّ، فهناك مشاريع كاملة بملايين الدنانير وممولة بالكامل من بنوك داخليّة، وتستورد كل مدخلات عملياتها الاستثماريّة من الخارج، والأكثر غرابة في ذلك كُلّه هو تشغيل عمالة أجنبية في المشاريع، مما يعني عدم استفادة الاقتصاد الوطنيّ من أيّ فائدة من تلك المشاريع التي تتضاعف قيمتها نتيجة تلك الإعفاءات الممنوحة لها.
أود ان اذكّر القارئ ان بعض مشاريع التخاصية التي حصلت في العقدين الأخيرين حصل مستثمروها على إعفاءات كبيرة وشبه مطلقة، وبعدها قامت بتقييم جديد لتلك المشاريع التي تمت خصخصتها وبيعها من جديد بأضعاف ما تم شراؤه من الحكومة.
الإعفاءات تشوه اقتصاديّ خطير في الاقتصاد، ويجب ان يكون مرتبطا بمباشرته بالقيمة المضافة لأيّ مشروع يطلب إعفاءات، وإدخال هذه العملية ضمن قرارات مؤسسيّة، وغير ذلك تبقى المزاجية سيدة الموقف.
الغد