” بعد ما شاب.. ودوه على الكتاب”.
منذ زمن طويل والكثير منا يقدم وصفة اعادة خدمة العلم للتصدي لمشاكل الشباب وبناء قدراتهم والتزامهم وعزيمتهم. لم اتخيل ان يأتي اليوم الذي تطرح به حكومة الدكتور الرزاز ومن على منصة وزارة العمل برنامجا وطنيا براقا وعريضا كحل لمشكلة البطالة ولفئة عمرية غير التي اعتدنا على شمولها في مثل هذا البرنامج. غياب وزارة الشباب ووزارة الثقافة عن البرنامج واسناده الى وزارة العمل بمساندة القوات المسلحة اضافة الى توجيهه لشريحة عمرية 25 – 29 عاما يذكرني بالمقولة الشعبية” بعد ما شاب ودوه على الكتاب”.
قي تجارب الاردن والعالم السابقة كانت مشروعات خدمة العلم تنبع من احساس عام لدى الساسة وصناع الهوية بتعبئة الجيل وشحذ الحس بالمواطنة والتدريب على الضبط والربط والالتزام بالقيم والاخلاق والمبادىء التي ترى الدولة انها ضرورية لتوحيد طرق التفكير والشعور والاداء الموجه لرفعة شأن الوطن والدفاع عن مستقبله وهويته واشعار ابنائه بالاعتزاز والقوة والفخار فهو برنامج للبناء المعنوي واظهار قوة واستعداد الدولة للوقوف في وجه خصومها واعدائها والعمل على تنمية وتطوير مواردها ولا اظن انه وسيلة لحل البطالة الا بالقدر الذي يرتبط باستثمار الطاقات من اجل البناء الموجه للمصالح الوطنية.
البرنامج المقترح الجديد جاء كتوليفة واعادة تدوير لافكار ومقترحات جربت في السنوات القليلة الماضية دون ان تسجل نجاحا في التصدي للبطالة والحد من تمددها فقد سبق لوزارة العمل ان اسست شركة للتشغيل والتدريب عام 2006 وشكا القائمون على الشركة من حجم التسرب من البرنامج وضعف الاقبال عليه بالرغم من توفير الحوافز المادية المجزية وواقعية الطرح والاهداف ووجود الموارد في تلك الايام.
لا اعرف كيف سيقبل من اصبحت اعمارهم فوق الخامسة والعشرين وقارب بعضهم على دخول العقد الرابع من العمر بان يتقاضى 100 دينار ويمضي اشهرا في برنامج غير واضح المعالم سيعطي له اولوية التنافس على الوظائف الشحيحة التي يعرضها ديوان الخدمة المدنية . بلا ربط للبرنامج بايدلوجيات واهداف وطنية نهضوية كبرى تستحق التضحية وتقديمه كمشروع شبابي ريادي فان البرنامج لا يعدو محاولة يائسة لخلق انطباع بان هناك استجابات للمشاكل والتحديات المزمنة.
اعرف انه لا احد يكترث هذه الايام باعادة فكرة خدمة العلم بمفهومها التقليدي وان الجيران يرتابون من الفكرة وقد يستخدمونها ذريعة للتشكيك في نيات البلاد التي لا تريد ان تواجه اتهامات جديدة في محيط يتسابق ساكنوه على اظهار حسن سلوكهم والتزامهم بثقافة وجهود وتطلعات السلام لكني اعرف جيدا ان الحديث عن خدمة العلم لا يمكن اختزاله بتدريب الفرد من اجل ان تتحسن فرص وصوله الى وظائف الحكومة او ليفوز بمكافأة المائة دينار التي تحدث عنها الوزير بحماس كبير.
المجتمع الاردني يعاني ازمة كبيرة مع الشباب. فهم يبدون لبعضهم كالحمولة الزائدة في حافلة نقل مزدحمة بالنخب والمتنفذين واللاجئين فلا مقاعد كافية لهم ولا احد يريد ان يفسح لهم. قلة فقط هم الذين يجلسون في احضان ابائهم وعشائرهم وعلى المقاعد التي جرى تطويبها للاسر والعائلات وبقيت متوارثة من جيل الى جيل.
اعرف ان الوقت غير مناسب لالقاء اللوم على جهة بعينها واعرف ان رئيس الحكومة وفريقه يجتهدون كما فعل من سبقهم لكن المدهش فيما حصل هو اخراج برنامج متواضع وغير واعد تحت مسمى خدمة العلم بهدف التقليل من البطالة التي قال إنها الوزير بانها اكبر من وزارته . صحيح ان البطالة اكبر من الوزارة وصحيح ان توقعاتنا ترتبط بقرار على مستوى النهضة التي بشر به الرئيس في اليوم الاول لتكليفه لكننا لا ولم نتوقع ان تختصر خدمة العلم وطموح النهضة ببرنامج كالذي عرض.
الارقام التي اظهرتها الاحصاءات عن البطالة مخيفة وهي مخيفة اكثر اذا علمنا ان عشرات الاف من شبابنا توقفوا عن التسجيل في مكاتب العمل وديوان الخدمة بعدما هرموا بانتظار اللحظة التاريخية لانخراطهم في العمل وقناعتهم بانها لن تاتي ابدا.
في الاردن اليوم الاف الوعود المؤجلة ومثلها مئات المشروعات الرسمية والاهلية غير المكتملة او التي مضى على انطلاقها عقود دون ان تكتمل فالناس متعطشون لتنفيذ قناة البحرين واكمال ابراج الدوار السادس وافتتاح الخط الصحراوي بمسارب امنة وبناء المنتجعات السياحية في برما ودبين قبل ان تفتك بالكثير من احبائهم الكورونا والجوع ويجدون انفسهم ذات صيف لاهب بلا ماء او جهاز تنفس اصطناعي.
الغد