«اشهروا» المساجد «سيوفا» في وجوهنا !
بعض الردود المخجلة التي صدمتنا في قضية « اغلاق « المساجد تقدم لنا صورة طازجة عن توظيف الدين من الذين اختطفوه لاغراض سياسية , فقد حشد هؤلاء « ميليشياتهم « الالكترونية ضد وزير الاوقاف , فاخرجوه من الملة الدينية وطعنوا في عرضه واتهموه بما لا يخطر على البال من اتهامات .
هكذا , بكبسة زر , اصبحت « المساجد « قضية هؤلاء , وكأن الدين هو المسجد فقط , وهكذا اعلن احدهم , انه يتنازل عن المطالبة بكل شيء : الحريات العامة , ومكافحة الفساد والاصلاح والديموقراطية مقابل اقامة الصلاة في المسجد , هذه صورة اخرى مخجلة من اللعب والتذاكي على عقول الناس .
قضية اغلاق المساجد جاءت في سياق اجراءات متوقعة لمواجهة انتشار الوباء , وصدرت توصياتها من « خلية الازمة « ثم تبنتها وزارة الاوقاف , وهي ستخضع لتطورات « الوضع العام « وتقديرات المعنيين والمختصين في هذا الملف , ربما اخطأت الحكومة في ذلك او تسرعت , لكن من قال ان الدولة الاردنية منذ تأسيسها فكرت - ولو لمرة واحدة - باغلاق المساجد , ومن قال ان لهذا الاغلاق الان « اجندة « لمحصارة الدين او مؤامرة على الاسلام .
اعرف سماحة وزير الاوقاف د. محمد الخلايلة , منذ سنوات طويلة , واشهد انه من اشد الناس غيرة على الدين واخلاصا لقيمه وحرصا على بيوت الله , واشهد - ايضا - , انه واجه هذه الحملة المسعورة بكل حكمة واتزان , تماما كما يواجهها رجل الدولة الحقيقي والحازم الذي يضع اعتبارات خدمة البلد والحفاظ على حياة مواطنيه فوق كل اعتبار .
يا سادة , في بلدنا نحو (7) الاف مسجد , تتولى وزارة الاوقاف تنظيم شؤونها ورعايتها وهذا العدد هو ضعف عدد المدارس الحكومية، واضعاف عدد المستشفيات والمراكز الطبية.
ويا ليت ان الذين ترتفع اصواتهم للدفاع عن «المسجد» ضد قرارات الحكومة, يمتلكون «الغيرة» والحماس للدفاع عن صحة الناس وسلامتهم , وللانحياز لبناء الدنيا وتعميرها اولا , من خلال بناء مدرسة او مستشفى، او « وقف « ما يمتلكونه من اموال لسد حاجات الفقراء والمحتاجين , هؤلاء الذين لا يستقيم الدين الا بمساعدتهم « ارايت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين « .
قربيا ستفتح المساجد , وسنرى كم سيكون عدد روادها في ساعات الفجر والليل , وكم من هؤلاء الذين فزعوا لتوزيع الشتائم على من « اغلقها « سيواظب على الصلوات فيها , وفي سياق ذلك سنكتشف ان هذا «الدين « المغشوش الذي افرز من البعض اسوأ ما فيهم لا يستقيم بمجرد الذهاب والصلاة في المسجد , وانما بفهم مقاصد الدين واخلاقه والالتزام بها في سلوكياته وحركته في الحياة , فالدين ليس مجرد وظيفة لممارسة الطقوس ولكنه روح سامية ترشد الناس للهداية وتعلمهم الحكمة وتهذبهم من اساءة الظن او « زفر « اللسان , او اتهام الاخرين - متى اختلفوا معهم - بالكفر والردة , او مخاطبتهم بغير « الحسنى «.
يكفي ان اقول : سامحهم الله هؤلاء الذين رفعوا « السيوف « باسم المساجد في وجوهنا للاساءة الى شيخ اجتهد ولم يفعل الا ما يرضي الله ويريح ضميره .. ويخدم بلده .
الدستور