تركة اقتصادية ثقيلة
ليس من السهل على الحكومة الجديدة أن تتعامل مع الملف الاقتصادي بتحدياته المختلفة، فالتركة التي خلفتها حكومة الرزاز ثقيلة جدا على أي حكومة.
والتركة التي ورثتها الحكومة الجديدة تتضمن تحديات غير مسبوقة في الشأن الاقتصادي تحديدا.
الحكومة الجديدة ستستلم اقتصاد نموه بالسالب لأول مرة منذ العام 1988، فكُل التقديرات ترجح ان تكون بحدود الـ3.5 بالمائة على أقل تقدير، وسيكون أمام الحكومة تحد كبير في مواجهة النمو السالب من خلال إعداد خطة وطنية لاستعادة الثقة أولا بالاقتصاد الوطني، ومن ثم العمل على اتخاذ إجراءات تحفيزية للقطاعات الإنتاجية المختلفة، وكُل ما يلزم من تحسين تنافسية بيئة الأعمال المحلية في ظل الأوضاع الراهنة والتحديات المستجدة، ويتطلب هذا قبل كُل شيء الانتقال لمرحلة الشراكة الحقيقية بين القطاعين والتي للأسف ما تزال غائبة عن النهج الحكومي في الكثير من القضايا.
الحكومة الجديدة ستصطدم بأعلى معدل بطالة في تاريخ المملكة (23 بالمائة)، وهذه تشكل وحدها كابوسا حقيقيا على أمن واستقرار المجتمع، والعقدة في هذا الأمر متشعبة لدرجة التعقيد الفعلي من الناحية الواقعية، فالحكومة أوقفت التعيينات في القطاع العام منذ فترات طويلة، والقطاع الخاص يواجه أصعب أوقاته من الناحية الاقتصادية على جميع المستويات بلا استثناء، وجزء كبير منهم قام بإعادة هيكلة أنشطته وتسريح موظفين لديه لتقليل الخسائر أو تجنب الخروج النهائي من السوق، ناهيك عن وجود احتمالات كبيرة لعودة الكثير من المغتربين من الخارج الى المملكة خاصة من دول الخليج العربي، مما يرجح فعليا تزايد معدلات البطالة إلى مستويات قياسية خطيرة، ناهيك عن فقدان كافة برامج التشغيل التي تبنتها الحكومات وفشلت فعلا في استحداث نقلة نوعية في تشغيل الأردنيين.
ليس من السهل على الحكومة الجديدة أن تبني تصورات واضحة لكيفية بناء موازنة 2021 في ضوء استمرار وباء كورونا التي عصفت بكل أساسيات التوقعات الاقتصادية، وتركت آثارا عميقة في الأداء الاقتصادي، حيث هوت بإيرادات الدولة، وفي حالتنا الأردنية فإن جميع التوقعات ترجح أن تتراجع الإيرادات المحلية الفعلية عن المقدر بواقع ملياري دينار علي اقل تقدير، ومن المتوقع ان تستمر حالة عدم اليقين في المشهد العام المالي والاقليمي طيلة العام 2021، وهذا تحد كبير أمام الفريق الاقتصادي الوزاري المقبل، فليس من السهل وضع تصورات وفرضيات مالية للسنة المقبلة القابعة تحت كورونا، فالمشهد قاتم وغامض.
الحكومة الجديدة ستواجه ملف المديونية والعجز المالي المتنامي في الموازنة، وكيفية توفير مخصصات مالية لتمويل نفقات الحكومة المختلفة خاصة مع وصول الدين إلى مستويات غير آمنة على الإطلاق (110 بالمائة)، ومع محدودية قدرة الحكومة على الاقتراض خاصة الداخلي منه، فالحكومة سيكون أمامها تحد كبير في مواصلة الاقتراض سواء الداخلي أو الخارجي دون ان تتعزز قناعات لدى المقرضين الدوليين والمانحين باستمرار الحكومة في عمليات الإصلاح الاقتصادي.
لعل الملف المالي الداخلي وكيفية التعامل معه سيكون احد ابرز التحديات التي ورثتها الحكومة الجديدة من حكومة الرزاز خاصة فيما يتعلق بالزيادات المالية المؤجلة لبداية العام لموظفي ومتقاعدي القطاع العام والتي تبلغ ما يقارب الـ500 مليون دينار ستضاف إلى بند نفقات الحكومة التي تعاني إيراداتها تراجعا شديدا.
الحمل الاقتصادي سيكون ثقيلا جدا على الحكومة الجديدة، وليس بالسهل التعاطي مع الملفات السابقة في ظل العقلية الإدارية التقليدية التي اعتاد المسؤولون التعاطي معها، اليوم الوضع استثنائي، ولا بد من فتح قنوات اتصال وحوار على أوسع نطاق، حتى يتسنى الوصول إلى تفاهمات قابلة للتطبيق على ارض الواقع بعيدا عن الشعبويات التي اعتدنا على مشاهدتها في الآونة الأخيرة.
الغد