الحكومة تجاوزت كثيراً على شعبها في صلاة الجمعة
لم أكتب حرفا واحدا ضد قرارات الاوقاف المتلاحقة بخصوص صلاة الجمعة، وتخبطها الواضح تجاه شعيرة من أهم الشعائر التعبدية الاسلامية، ولكن موقفي من ذلك متفق تماما مع ما صدر عن المكتب الاعلامي لجماعة الاخوان المسلمين رفضا لتعجل الاوقاف.
الدين عادة لا يكون رسميا، والعبادات لا تكون بالأوامر الوزارية، والمؤمنون ليسوا من موظفي الحكومة، ولا هم طلاب صف في مدرسة الحكومة حتى تأمرهم (قيام - جلوس) بل هم مؤمنون جاؤوا من تلقاء أنفسهم طاعة لربهم، وتأدية لفريضتهم، وامتثالا لأمر نبيهم، ولممارسة حقهم الانساني في العبادة، وهو ما صادرته الاوقاف بقرارات فجة سرعان ما تراجعت عنها مرارا وتكرارا.
المشكلة ببساطة انه لدينا نحو 7700 مسجد يصلى فيها خمس فروض يوميا بواقع 38,500 صلاه، وفي كل صلاة معدل (50) من المصلين فيكون تعداد المصلين المحرومين يوميا طيلة ايام الحظر غير المدروس نحو 192,500 يوميا، وتعاظم الامر في رمضان وتعاظمت المصيبة في التراويح ففقدنا أفاويق استحليناها طيلة حياتنا، علما بان الواقع يكشف بأن نسبة المحافظين على الجماعة في المسجد تتعدى 24% من المواطنين، وتصل نسبة المحافظين على الفروض الخمس في المساجد ومصليات العمل والمنازل 53%، واما الملتزمون بفريضة الصوم فهم نحو 88%، ومن يكتفون بصلاة الجمعة نحو 75%، ولو فرضنا ان صلاة الجمعة تقام في 4000 مسجد بواقع 300 مصل فقط، فان النتيجة هي حرمان مليون وربع من المصلين على الاقل، لابل ان كثيرا من المساجد فيها امكنة للنساء ايضا، كلهم يتحكم فيهم جرة قلم، فلقد انعقد اجماع علماء الامة على ان صلاة الجمعة فريضة على كل حر بالغ يدركه زوال الشمس في اي بلد، وهو من أهلة وغير مسافر، واجمع المسلمون على وجوب صلاة الجمعة.
نعم هناك وباء وجائحة لكننا في الشهر السابع منها، فسبرنا أغوارها، وتعودنا على التعاطي الدقيق مع الشروط الاحترازية والاجراءات الوقائية، وتكونت لدى المصلين ثقافة واسعة والتزام كامل بالشروط الصحية، ومساجدنا بشهادة الجميع كانت اكثر التزاما من بعض موظفي الحكومة حتى الصحيين منهم، فأنا شخصيا فحصت للكورونا في أكبر مستشفى للحكومة، ولم تغير الموظفة الطبية "كفاتها" مطلقا، مع انها فحصت للعشرات من المخالطين في صالة تابعة لقسم التوليد!!
قبل نصف قرن كنا نقول انهم حاصروا الاسلام في المساجد، والآن ما عادت الحكومة تكترث بالمصلين ولا بالمساجد مع انها بيوت الله "وأن المساجد لله..."، ومع اننا بلد مسلم سني شافعي، تتخذ القرارات دون استشارة المختصين واهل العلم واهل الثقة المجتمعية، وتكتفي الحكومة بأمر الدفاع رقم 19 لتحديد مصير صلاة الجمعة لنهاية العام (قلم قايم) ففي الديمقراطية السويسرية العريقة والمستقرة هناك امور لا ينفع فيها الا الديمقراطية المباشرة وبحضور جميع أهل الكانتون ليقرروا معا في ما هو اقل اهمية من صلاة الجمعة، لذلك تضافرت جهود الكل الوطني للمطالبة بإلغاء قرار منع الصلاة ونجحت الجهود اخيرا في وقف قرار غير محمود لحكومة لازالت في بداية عهدها!!
للأسف، لا زالت المؤسسات الدينية لدينا رخوة، والقائمون عليها يتصرفون كموظفين حكوميين فقط, حتى وزير الاوقاف مع تمام الاحترام يتصرف كموظف حكومي كبير، لماذا لا تكون للمؤسسات الدينية شخصيتها الكاملة؟ لماذا هذا التجريف والاقصاء التام للسادة العلماء عن المساجد لدرجة ان بعض المحافظات اكثر من نصف مساجدها بدون أئمة، واذا وجدوا فأكثرهم يعين على الفرازة وليس على الكفاءة، لذلك تجد عموم المصلين اكثر وعيا والتزاما بالشروط الصحية من موظفي الاوقاف الذين تبغي الاوقاف تحويلهم الى ضابطة عدلية لمراقبة المصلين لابل ان الوزير خولهم بوقف الصلاة اذا خالفوا!!
يا معالي الوزير المتحمس: انت تعلم " ان الله لا يعبد الا بإذنه هو..." وانت تعلم ان الرسول صلى الله عليو وسلم لم يخطب الجمعة في مكة مطلقا رغم انبعاث الدين، ولكن المصطفى صلى الجمعة في المدينة المنورة وخطب فيها اكثر من 500 خطبة جمعة، لان الخطبة هي المنبر الاعلامي لملة المسلمين في الطرح والتوجيه والموقف، والخطبة امر فقهي مشروط لصحة الصلاة..
فعلا، كان الوجدان الشعبي الاردني موحدا في مسألة صلاة الجمعة، واستغربت تسرع البعض بشكر الاوقاف على السماح بالصلاة، مع ان هذا امر تعبدي وحق شرعي لا يحتاج الى تدخل بشري، ننادي وبأعلى صوت ونهتف في كل المسامع، انه في النوازل الداهمة والجوائح المهددة، يتوجب على الحكومات الابداع في بناء الثقة والتماسك الوطني، حتى يكون المكون الوطني الواحد نصابا موحدا لتوجهاتها الرصينة المدروسة، والتي يرضاها ويرتضيها جميع المواطنين.
السبيل