صراع الوقت
حكومة الدكتور بشر الخصاونة ما زالت في أيامها الأولى، ولم تصل، بعد، إلى وقت يمكن للنخب أن تسألها، بموضوعية، أو يسألها الناس عما فعلت، وماذا حققت وأنجزت؟ هي، الآن، في بداية الطريق، ولها حق امتلاك كامل الفرصة، بعدالة، هذا حق منطقي طبيعي، شرط أن تنتبه، وأظنها تفعل، إلى أن تَحَوُّلَها إلى مادة سجال مجتمعي وسياسي، قد لا يطول كثيراً. رغم ذلك فإن أي سجال مبكر، عدا عن أنه لن يكون منصفاً، سيكون مربكاً، يشتت تفكير الحكومة وتوجهاتها، ويشل حركتها، في توقيت الجميع، لا بد، يدرون ويعون أن البلد لا تحتمل أي إرباك من أي نوع. والفرصة المتاحة للحكومة، لا تعني، أبداً، التراخي أو الإبطاء، في تحديد الأولويات وترتيبها، وتصميم خطة محكمة لمجابهة ما فرضتها ظروف استثنائية من صعاب، تستدعي، بالضرورة، قرارات وإجراءات توائمها. على رأسها، وفي صلبها، الملف الصحي، بكل تداعياته الاقتصادية وتفرعاته وبتأثيراته الضاغطة التي أخذت تشتد، وتزداد قسوة ووطأة على واقع اجتماعي تسللت إليه وسيطرت عليه حالة حادة من عدم اليقين. واقع، بتبعاته واستحقاقاته، يلحّ على معالجات سريعة وجادة تتضمنها خطة متكاملة ومدعومة ببدائل كافية لإحداث الفرق الإيجابي اللازم، أو في أقله، إبطاء مفاعيل الواقع السلبية وضمان عدم توسعها أفقياً وعامودياً.
أولى الخطوات، أو هكذا يفترض، سرعة مراجعة جميع بروتوكولات وإجراءات التعامل مع جائحة كورونا، وتقييم كل تفصيل فيها، لإغلاق أي ثغرة أو خلل أو نقطة ضعف، ووصولاً إلى عملية محكمة تماماً. والضرورة تقتضي هنا أن تأخذ هذه المراجعة بالحسبان التكوين النفسي والأخلاقي للمجتمع، إذ وهو يشكو الآن من هذه الإجراءات، فهو في لحظة الحاجة، لن يقبل أن لا تُوفر له الخدمات الصحية حال طلبها واضطر إليها. أي، على الحكومة أن توازن بين الميل الشعبي لرفض بعض الإجراءات وبين واقع القطاع الصحي وقدراته، وكذلك، وبكل أسف، أن تأخذ بالحسبان أن مقدار الالتزام العام بتعليمات الوقاية والسلامة لن يصل الدرجة التي تتمناها، وسيكون كل العبء عليها وفي كل شيء. إن وصول عدد الإصابات إلى مرحلة قد ينهار معها القطاع الصحي، مسألة ممكنة، وليست متخيَّلة، وعندها لن تلوم الناس نفسها على عدم التزامها، وإنما ستلوم الحكومة وقدرات قطاعها الصحي، ولهذا أكلافه وارتداداته.
بلا شك، هذا أمر ضاغط على الحكومة، يضعها في حال لا تحسد عليها، وواقع يصعب أن توائم فيه بين حاجتين ملحتين ومتلازمتين؛ الصحية والاقتصادية. إذ ليس المطلوب منها قدرات صحية فقط، فهي مطالبة كذلك بحلول اقتصادية لمشكلة الموازنة العامة المتفاقمة، ولمشكلات الناس المعيشية، وستجد نفسها أمام معضلة كبيرة وهي تصمم الموازنة العامة للسنة المقبلة. أسئلة كثيرة وكبيرة، بعضها مرعب، لا بد وأن الحكومة تطرحها على نفسها أمام ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد، تبحث فيها عن إجابات للصحي كما الاقتصادي. وهنا نسأل، ما طبيعة الدور الذي سيلعبه القطاع الخاص على قاعدة المسؤولية الاجتماعية والوطنية..؟!
الراي