يريدون أن يحرقوا مشاعرنا
لكي نفهم ما فعله الآخرون بنا، ولماذا أساءوا إلينا، وكيف يمكن أن نرد عليهم، لا بد أن نفهم أولا ما فعلناه بأنفسنا، فهؤلاء الذين تقصدوا إشهار إساءاتهم لرسولنا عليه الصلاة والسلام لم يسيئوا إليه، لان مقام النبي - أي نبي - أسمى واجل من أن يمس فقد كفاه الله المستهزئين، وإنما أساءوا إلينا، نحن المسلمين الذين يقدر عددنا بنحو مليارين، ونشكل أكثر من ربع سكان البشرية.
ما أغراهم على الاستخفاف بنا والإساءة لمشاعرنا هو - باختصار - نحن، إذ لا يمكن لأحد أن يركب ظهرك دون أن تنحني له، وقد انحنت ظهورنا رؤوسنا بما يكفي ويزيد فقفزوا عليها وامتطوها، حدث ذلك حين استهانت امتنا بماضيها وحاضرها وكفرت بمستقبلها، حين استقالت من وظيفتها وجلست على مقاعد المتفرجين والمستهلكين تتسول مكدسات الحضارة، وتمضغ لحمها بنفسها، حين تحررت من دينها واكتفت بممارسة طقوسه، وحين ذبحتها « الدهشة « بانجازات الآخرين واختصرت وجودها بالشهادة على الدماء التي تسيل على سيوفها وهي تقطع لحوم بعضها وتتفاخر بأنها «خلقت» لإنقاذ البشرية، وهي في الحقيقة فشلت في إنقاذ نفسها.
ما فعلناه بأنفسنا أسوأ بكثير مما فعله الآخرون بنا، نحن الذين ندافع عن النبي وننتسب إليه ونحبه ونصلي عليه في الصباح والمساء ابعد ما نكون عن الاقتداء بسيرته، فقد كان الصادق الأمين، ونحن نستعذب الكذب ولا نعرف الأمانة، وقد كان احرص الناس على العزة والكرامة، ونحن نرددها فقط في الأناشيد والأغاني والخطب، هذا النبي غيّر تاريخ البشرية في نحو عقدين، ونحن هدمنا ما بناه منذ قرون طويلة.
الآن يجب أن نواجه الحقيقة، صحيح أن «ماكرون» اخطأ وأساء لفرنسا « التنوير» ولنا أيضا، وصحيح أن « لعبة «حرق مشاعرنا أصبحت بضاعة رائجة في أسواق الغرب المزدحمة بالضغائن والصراعات على حدود التاريخ والدين، وصحيح أن لدينا كما لديهم مجانين يعتاشون على موائد الكراهية وازدراء الآخر وعلى التطرف والعنصرية، لكن الصحيح أيضا هو أن العالم في هذا العصر لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يقيم وزنا إلا للمصالح، ولا يعترف إلا بمن يستطيع أن يدافع عن حقه وينتزعه بيده، وبما يملكه من علم وانجاز وتقدم .
من هنا يجب أن نبدأ بتصحيح المعادلات التي اهتزت، وإعادة العلاقات المختلة إلى سكتها الصحيحة، حتى يكون ردنا قويا ومؤثرا، ومن هنا يجب أن نطالب بالاعتذار، من منصة فرض الأمر الواقع بعقلانية لا من منصات الفضاء الالكتروني التي حملت مشاعرنا إلى عالم لا يأبه كثيرا بلغة الغضب والتنديد والمشاعر.
هم يريدون أن يحرقوا مشاعرنا « اسلامو كوست «، وان يفرزوا من أسوأ ما فينا، وقد حصل حين اندفع احدهم إلى قطع رأس معلمه الذي استهزأ بالنبي في رسوماته، وهم يرفعون شعار «حرية التعبير « في وجوهنا فيما لا يجرؤون أن يجرحوا مشاعر الذين فرضوا عليهم باسم «الهولوكوست» الإتاوات، لا بأس، يمكن أن نرد عليهم التحية بأحسن منها، ونثبت لهم أننا أرقى من ردودهم المخجلة، واقدر على مقايضتهم بمنطق المقاطعة الذي يخاطب عقلاءهم ومجانينهم على حد سواء.
الدستور