رئيس البرلمان!
ضمن السياقات الدستورية والقانونية الناظمة للعملية الانتخابية وما يتبعها من استحقاقات تتمثل في دعوة المجلس للانعقاد استناداً لإرادةٍ ملكيةٍ ساميةٍ وإجراء انتخابات المكتب الدائم، لوحظ اهتمام كبير خلال الفترة الماضية في الموعدِ المقرر لافتتاح المجلس أعماله واجراء انتخابات المكتب الدائم المتمثلة برئيس المجلس ونائبيه ومساعديه.
وهنا لوحظ أن الاهتمام بمن سيرأس البرلمان ومن سيكون النائب الأول خلال الشهر الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي قد تزايد مع اقتراب موعد افتتاح الدورة، وكان هذا الاهتمام من مختلف الشرائح والفئات المجتمعية بشكل عام وبعض النُخَب بشكل خاص والتي كانت – أي النُخَب – ضد الانتخابات وضد إجرائها، كما أنهم لم يدلوا بأصواتهم وهذا في الحقيقة مستغرب على الرغم من أنهم يعلمون جيداً بأن موقع رئيس البرلمان يأتي نتيجة توافقات مؤسسات الدولة وتوافقات بين النواب أنفسهم، وهذا الاهتمام يبين شكلاً من أشكال التناقض؛ إذ إنهم مهتمون جداً بمن سيأتي رئيساً للمجلس أو نائباً للرئيس ولكنهم لم يكونوا مهتمين أو فاعلين بالتصويت أو على الأقل تشكيل حراكات انتخابية تساهم في إحداث تغيير بالطبقة السياسية، ونحن نعلم جيداً أنه لو مورس أي حراك انتخابي لكان هناك هامش من التغيير على تركيبة المجلس بشكل ٍ أو بآخر.
اليوم؛ نحن أمام برلمان جاءَ ضمن ظروف استثنائية على الصعيد الصحي والسياسي والاقتصادي، وتبعاً لتلك الظروف فإن المطلوب من البرلمان القادم عمل استثنائي، وهذا ينسحب ويتحمله بشكل كبير الرئيس الجديد الذي يعتبر أصغر رئيس برلمان عمراً منذ ما يقارب 27 عاماً، حيث ينتظره مهمات كبيرة جداً على رأسها إصلاح البيت الداخلي وإعادة الألق للمؤسسة التشريعية وإبقائها قريبة من تطلعات المواطنين وتكريس العمل الرقابي كأداة دستورية لتَـتَـبُع العمل الحكومي وعكس أولويات المواطنين ضمن هذه الأداة، والعمل التشريعي أيضاً يحتاج للتطوير من خلال الانفتاح على المؤسسات والمواطنين وكافة أصحاب المصلحة وترسيخ نهج التشاركية كسبيل حقيقي نحو تطوير التشريعات الأردنية.
ومن منظور مبدأ فصل السلطات فإن الرئيس اليوم مطالباً شعبياً باستعادة استقلالية البرلمان، إذ أننا نستذكر جميعاً بعض المفاصل التي تدخلت بها حكومات للضغط على البرلمان لتمرير بعض القرارات والقوانين، وهذا كله لا يمكن للرئيس أن يقوم به دون أن يتم مأسسة العمل الجماعي داخل البرلمان من خلال تفعيل المكتب التنفيذي بشكل حقيقي والمهام المناطة به، وتعزيز العمل الكُتــلَـوي للبرلمانيين والبرلمانيات من خلال وضع البرامج الخاصة بالكتل ونشرها بكل شفافية للمواطنين وتقديم الخطط والاستراتيجيات سيما وأننا اليوم نتحدث عن آثار اقتصادية ناتجة عن جائحة كورونا لا يمكن للحكومة وحدها أن تشكل عائقاً أمام تلك الآثار دون وجود رقابة برلمانية وتشريع متطور ومقترحات وتوصيات مُلزِمةً للحكومة.
وكما ذكرنا سابقاً فإن رئيس البرلمان يأتي نتيجةً للعديد من التوافقات النيابية والمؤسـساتية وليس المهم أن يكون معروفاً قبل أيام من انتخابات المكتب الدائم ولكن الأهم أن يكون الرئيس محايداً ويقف على مسافةٍ واحدةٍ من جميعِ البرلمانيين والبرلمانيات من جهةٍ والكتلِ النيابيةِ من جهةٍ أخرى، ومن المهم أيضاً أن يكون الرئيـس متفرغاً بشكل أساسي للعمل البرلماني وقيادة المجلس الذي يحتاج لجهدٍ ووقتٍ وتفكيرٍ عميق خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المهام المرتبطة بهِ والأعمال التي سيقوم بها.
وأخيراً؛ نتفق جميعاً بأن المهمة صعبة جداً ولكنها ليست مستحيلة إذا ما ارتكزت على التشاركيةِ والتعاونِ الإيجابي مع الكتل واللجان الدائمة، ونتطلع جميعاً لإعادة الثقة بالبرلمان الأردني لدى الأردنيون جميعاً، ولا ننسى بأننا أمام استحـقاقـيـن مرتبطات بالبيان الوزاري والموازنة وهذين الاستحـقاقـيـن من شأنهم أن يكونوا الحجر الأساس في إعادة بلورة صورة البرلمان في عقول الأردنيين، ونؤكد دوماً على أن ترسيخ نهج الشفافية والانفتاح وضمان تدفق المعلومات هي مقومات أساسية لنجاح أي برلمان.
الدستور