حق الإنسان أن يكون مفهوماً 1-2

تم نشره السبت 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2020 12:31 صباحاً
حق الإنسان أن يكون مفهوماً 1-2
جمال الطاهات

أهم ميزة لفكرة «حق الإنسان أن يكون مفهوماً»، هي تعلق فكرة الحق بالفهم، وهو فاعلية إيجابية. إذ تصان الحقوق بالحماية من التعدي. فأغلب حقوق الإنسان، تصان عبر امتناع الآخرين (أو منعهم)، من القيام بفعل ينتهك هذه الحقوق. فحق الحياة، والحرية الشخصية، كما حق الملكية، كلها حقوق تصان بمنع الآخرين من (وامتناعهم طوعاً عن) انتهاك حرمتها. فأغلب الحقوق تصان بمنع الآخرين من القيام بانتهاكها. ولكن حق الإنسان أن يكون مفهوماً، يتضمن واجب على الآخرين القيام به، إضافة إلى الامتناع عن تشويه الإنسان أو تنميطه، بطريقة تنطوي على اقصاء او تهميش. وهذا لا يعني، منع التنميط السلبي بالقوة (فمثل هذا المنع غير عملي)، وإنما استبداله بمقاربات معرفية غير اختزالية، قائمة على أساس تفعيل أقصى درجات «الاستيعاب الداخلي: Internalization» والفهم بالتشابه كبديل للفهم بالاختلاف، (فهم الآخر استناداً لاكتشاف التشابه مع الذات).

إذ أن فكرة حق الإنسان أن يكون مفهوماً، تنطوي على مقاربة معرفية واضحة وبدهية، وهي البحث عن التشابه كنقطة اسناد موضوعية للمعرفة (والتعرف). وكسر احتكار منهجية الفهم بالتمييز والاختلاف، بتدعيم منهجية الفهم بالاستيعاب والتشابه مع الذات. وهذه المقاربة، التي تستند إليها مبادرة «حق الإنسان أن يكون مفهوماً»، تتطور في بيئة صراعية. فهناك عنصر مثبط يعيق تطورها، وهناك عنصر محفز لهذا التطور.

فالتنميط -من جهة- ديناميكا دفاعية واعية، تنفذها البنى التقليدية لإعاقة الاندماج والاستيعاب الداخلي (التعرف بالتشابه)، لاحتواء ضرورة التفاعل مع الآخر. فالتنميط المتبادل بين الثقافات، ينشأ لحماية منظومة مصالح مستقرة، لاحتواء حتمية التفاعل، وعدم القدرة على التجاهل. إذ أن ازدياد تأثير وفاعلية الثقافة على الاقتصاد والأمن، بشكل غير مسبوق في تاريخ الإنسانية، تجعل التجاهل والتدابر بين الثقافات، خياراً غير ممكن عملياً. فلم يعد بإمكان أي أمة، أو ثقافة أن تعيش بمعزل عن الأمم والثقافات الأخرى. ولكن ميراث الاقصاء المتبادل، يديم فاعلية صناعة الجهل بين الثقافات، ويسعى لمنع وإعاقة التعرف بالتشابه.

ولكن من جهة التحفيز، فإن ثورة النقل والاتصال، جعلت تفاصيل الثقافات وجمالياتها متاحة للجميع. ففي حين كانت الحكومات تحتكر قنوات التفاعل بين الثقافات، ويقوم عدد قليل من أبناء كل ثقافة، بإدارة قنوات التبادل التجاري، والتنسيق الأمني بينها. أصبحت نسبة كبيرة من أبناء كل ثقافة، يتفاعلون، بشكل شبه يومي، مع أبناء الثقافات الأخرى، ويباشرون التجارة والتعاون العلمي، وتراجع دور الحكومات في احتكار إدارة قنوات التفاعل بين الثقافات. مما يجعل التنميط السلبي (والفهم بالاختلاف) ممارسة ضد تيار التقدم. فحجم التواصل عبر الشبكات، وانتشار المعرفة باللغات، وإمكانية تشكيل شبكات من الأصدقاء وزملاء العمل عابرة للثقافات، عناصر تجعل الاستيعاب الداخلي (الفهم بالتشابه) للثقافات امراً ممكناً، وقابلاً للصياغة بقواعد جديدة للمارسة الإعلامية والتعليمية.

وبالرغم من كل ذلك، ما زال ميراث التنميط فاعلاً بكثافة، ويشكل المواقف والتوجهات. ولا يمكن مواجهة هذا الميراث، بالمواعظ، ولكن بتشكيل مقاربات للفهم، قائمة على أساس اكتشاف ضرورة الفهم بالتشابه «الاستيعاب الداخلي»، وإمكانياته العملية. فهذه مقاربة لا تقوم على أساس انكار الاختلافات، ولكن على أساس اكتشاف ما يعادلها في كل ثقافة. فالثقافات –رغم اختلافها وتنوعها- تتشابه من حيث فاعليتها الإنسانية، ولكنها تختلف في تنظيم وضبط طرائق العيش، والوسائل السائدة في تلبية الحاجات. فالحاجات واحدة، وإن اختلفت الوسائل والطرق. والتنميط، بأبشع تجلياته، هو تبطين الرفض والإقصاء بوصف الاختلافات وتضخيمها. والاستيعاب الداخلي، قائم على أساس رد الاختلاف للوسائل، وتحرير النوايا والإرادة، من الخصائص العرضية التي تتجلى في الثقافة.

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات