نسيان تقرير ديوان المحاسبة

تم نشره الإثنين 21st كانون الأوّل / ديسمبر 2020 12:14 صباحاً
نسيان تقرير ديوان المحاسبة
رمزي الغزوي

خمدت زوابع تقرير ديوان المحاسبة المثير للجدل تماماً، وكأنها ثارت ودارت وطارت في فنجان صغير. ويبدو أن مقولة (الناس تنسى في ثلاثة أيام وثلث) قاعدة ذهبية جوهرية تنطبق بكل حذافيرها على حالتنا في كل ما واجهنا ونواجه من أوجاع ومصائب وفضائح.
ففي فخ التعود والاعتياد، من المعروف أن الأوجاع لا تُلغي بعضُها بعضاً. بل لدى الجسم تكتيك خاص يجعلنا لا نشعر إلا بأطزج وجع مسّنا، أو بآخر مصيبة ضربتنا ودمرتنا؛ ولهذا فقد نتناسى عضواً مبتوراً من أعضائنا، أو قرحة مزمنة في رأس المعدة، ونركز في بثرة حمّرت جلدنا قبل ساعات. إننا ننسى كل المصائب والهموم ولا نأبه إلا بآخرها. فمرحى لذاكرتنا المثقوبة المعطوبة، فلولا خرابها لمتنا كمدا وكيدا ووجعا من زمن الديناصورات.
تقرير المحاسبة أثبت دقة ونجاعة نظرية الثلاثة أيام تلك. فنحن قد ثرنا وهجنا وتوجعنا على البلاوي الزرقاء والحمراء التي كشف عنها، والتي تدل على استشراء وتوغل وتعمق منظومة الفساد وبقاء المفسدين خارج دائرة العقاب. ولكننا نسينا الأمر برمته بحمد الله، ولم يعد أحد يذكر التقرير وتفاصيله، حتى دون أن يأتي حدث طازج يحل محله في موطن وجعنا. وهذا تطور مثير جداً.
قديماً قال حكيم عارف بتفاصيل مجتمعنا وطبائعه: (يا عمي جوّز ابنك لبنتك والفضيحة ثلاث تيام). بمعنى قد تفعل أشنع الشنائع وأعتى المحرمات، ما دام لديك ما يبلسم ذاكرة الناس: النسيان. فأكبر فضيحة لا تدوم أكثر من ثلاثة أيام. ولهذا كانت أيام العزاء بهذا العدد.
يقول العلم إن نسيان الأشياء القديمة مسؤول عنه (الذاكرة طويلة الأمد). أما نسيان الأشياء الطازجة التي لم يجف دم طلقها والتي فهذا مسؤول عنه ما يسمى (الذاكرة قصيرة الأمد). ولهذا فيبدو لي أننا اليوم نعاني تهتكاً في الذاكرتين معاً. إذ إننا ننسى البعيد البعيد، وبتنا ننسى القريب القريب. في ظرف يقل كثير عن الثلاثة أيام.
فهنيئاً لمن يعتمدون على ذاكرتنا القصرة الأمد البالية، وعلى ذاكرتنا الجمعية طويلة المتهالكة. وهنيئاً لمن يعرف هذا التكتيك الخطير ويتمسك باسترايجية الزمن، ومراهم نسيانه. فهذا كفيل بمداواة كل شيء وأي شيء، وكفيل بجعلنا ننسى أطزج أوجاعنا وأقدمها وأكبرها قبل أن ننسى آخرها. وكل هذا في ظرف زمني لا يتجاوز بقاء المنشور معلقا على حبال مواقع التواصل الاجتماعي.

 

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات