طيورنا الجديدة الثائرة

تم نشره الإثنين 28 كانون الأوّل / ديسمبر 2020 12:26 صباحاً
طيورنا الجديدة الثائرة
رمزي الغزوي

البعض يشبه أصحاب المواقف المتغيرة بأكياس البلاستيك المبثوثة في طول وعرض حياتنا. فهذه الأكياس الخفيفة هي أول من يغير موقعه مع عاصفة تضرب المكان. تثور وتدور وتطير؛ لتستقر على غصن شجرة، أو خاصرة شباك، أو لترتمي في أحضان شارع جديد، منتظرة عاصفة أخرى.

يحق لهم أن يستخدموا مثل هذا التشبيه المبدع، فهو منتزع من رحم حياتنا الملوثة المكيّسة. ففي الأيام الماضية ثارت رياح قوية حملت مع تياراتها الباردة كثيراً من أكياس البلاستيك، حتى ظننت أن طيوراً سوداء تمر في سمائنا وهي في طريق هجرتها إلى دفء إفريقيا. الأكياس تطير مرتفعة وسريعة؛ لكنها تعود لتحط رحالها كقمامة عنيدة يصعب التخلص منها.

نحن مغرمون بأكياس البلاستيك بشكل كبير ومثير وإستثنائي. لدرجة أنه في المولات والمتاجر الكبرى ثمة مهنة منفردة لشاب يسمى (الكيّيس)، أي الذي يعبئ السلع المشتراة في أكياس بلاستيكية؛ حتى ولو كانت مكيّسة مرتين أو ثلاث مرات.

أحيانا أشعر بسخرية الباعة واستهجانهم حين أطلب منهم أن يجمعوا كل مشترياتي في كيس واحد تخفيفا عن كاهل البئية. فهذا مطلب سخيف إذ أن الجميع يطلبون دوما مزيدا من الأكياس، حتى لو اشترى الواحد كيسا؛ فإنه يطلب كيسا يكيسه به. ولهذا فحسب أحصائيات صدرت قبل سنتين، فإننا نستهلك أزيد من ثلاثة مليارات كيس بلاستيكي سنويا ينتجها 400 مصنع في بلدنا. ولا أعرف إن كان لدينا إحصائية جديدة؟.

في طفولتي كان يشدني منظر (الخوضرجي) المسن ذي النظارات السميكة، وهو يعكف على صناعة أكياس من الورق، يستخدمها لبيع الخضار والفاكهة. لم نكن نعرف البلاستيك إلا ما ندر. واليوم نحن مخنوقون به حتى شوشة أرواحنا. مع أن العالم أدرك ضرر هذه المادة التي يحتاج تحللها فترات زمنية طويلة.

قبل أزيد من عام أكدت وزارة البيئة أن قرار حظر إنتاج الأكياس البلاستيكية سيتم تطبيقه بكل صرامة، ويومها قلنا إن ذلك القرار يذكرنا بقرار منع التدخين في الأماكن العامة. كلها كلمات تظل حبراً على ورق. العالم اليوم يتجه إلى استخدام أكياس من مواد معاد تدويرها رحمة بالبيئة، ونحن نوغل أكثر وأكثر في استخدامه.

فمن تأخذه جولة إلى غاباتنا يعرف حجم الكارثة، ويعي هول البلاستيك. لدينا آلاف الأطنان من عبوات المشروبات الغازية والأكياس لم نرفعها ولم نعمد إلى إعادة تدويرها ومعالجة أمرها. فهل يأتي حين من الدهر تطير فيه النسمات في بلادي دون أن تعلونا طيور البلاستيك السوداء القبيحة؟ هل يأتي حين من الدهر نكون فيه على قدر من المسؤولية ونمتلك الإرادة الصادقة في تطبيق القرارات.

الدستور 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات