طيورنا الجديدة الثائرة
البعض يشبه أصحاب المواقف المتغيرة بأكياس البلاستيك المبثوثة في طول وعرض حياتنا. فهذه الأكياس الخفيفة هي أول من يغير موقعه مع عاصفة تضرب المكان. تثور وتدور وتطير؛ لتستقر على غصن شجرة، أو خاصرة شباك، أو لترتمي في أحضان شارع جديد، منتظرة عاصفة أخرى.
يحق لهم أن يستخدموا مثل هذا التشبيه المبدع، فهو منتزع من رحم حياتنا الملوثة المكيّسة. ففي الأيام الماضية ثارت رياح قوية حملت مع تياراتها الباردة كثيراً من أكياس البلاستيك، حتى ظننت أن طيوراً سوداء تمر في سمائنا وهي في طريق هجرتها إلى دفء إفريقيا. الأكياس تطير مرتفعة وسريعة؛ لكنها تعود لتحط رحالها كقمامة عنيدة يصعب التخلص منها.
نحن مغرمون بأكياس البلاستيك بشكل كبير ومثير وإستثنائي. لدرجة أنه في المولات والمتاجر الكبرى ثمة مهنة منفردة لشاب يسمى (الكيّيس)، أي الذي يعبئ السلع المشتراة في أكياس بلاستيكية؛ حتى ولو كانت مكيّسة مرتين أو ثلاث مرات.
أحيانا أشعر بسخرية الباعة واستهجانهم حين أطلب منهم أن يجمعوا كل مشترياتي في كيس واحد تخفيفا عن كاهل البئية. فهذا مطلب سخيف إذ أن الجميع يطلبون دوما مزيدا من الأكياس، حتى لو اشترى الواحد كيسا؛ فإنه يطلب كيسا يكيسه به. ولهذا فحسب أحصائيات صدرت قبل سنتين، فإننا نستهلك أزيد من ثلاثة مليارات كيس بلاستيكي سنويا ينتجها 400 مصنع في بلدنا. ولا أعرف إن كان لدينا إحصائية جديدة؟.
في طفولتي كان يشدني منظر (الخوضرجي) المسن ذي النظارات السميكة، وهو يعكف على صناعة أكياس من الورق، يستخدمها لبيع الخضار والفاكهة. لم نكن نعرف البلاستيك إلا ما ندر. واليوم نحن مخنوقون به حتى شوشة أرواحنا. مع أن العالم أدرك ضرر هذه المادة التي يحتاج تحللها فترات زمنية طويلة.
قبل أزيد من عام أكدت وزارة البيئة أن قرار حظر إنتاج الأكياس البلاستيكية سيتم تطبيقه بكل صرامة، ويومها قلنا إن ذلك القرار يذكرنا بقرار منع التدخين في الأماكن العامة. كلها كلمات تظل حبراً على ورق. العالم اليوم يتجه إلى استخدام أكياس من مواد معاد تدويرها رحمة بالبيئة، ونحن نوغل أكثر وأكثر في استخدامه.
فمن تأخذه جولة إلى غاباتنا يعرف حجم الكارثة، ويعي هول البلاستيك. لدينا آلاف الأطنان من عبوات المشروبات الغازية والأكياس لم نرفعها ولم نعمد إلى إعادة تدويرها ومعالجة أمرها. فهل يأتي حين من الدهر تطير فيه النسمات في بلادي دون أن تعلونا طيور البلاستيك السوداء القبيحة؟ هل يأتي حين من الدهر نكون فيه على قدر من المسؤولية ونمتلك الإرادة الصادقة في تطبيق القرارات.
الدستور