كيف سنواجه أجيالنا القادمة ..؟
قبل نحو سبع سنوات فاجأنا وزير التربية والتعليم آنذاك بتصريحات ذكر فيها أن نحو (100) ألف طالب ممن يدرسون في الصفوف الثلاثة الأولى يعانون من»الأمية» الأبجدية (يشكلون 22 % من إجمالي عدد الطلاب)، وقبل ذلك بسنوات حذرنا وزير الصحة أيضا من «فساد» الماء والغذاء ، وبعدها صدمنا رئيس إحدى الجامعات حين نعى التعليم العالي، فيما لا يتردد بعض وزراء الاقتصاد بتذكيرنا أن اقتصادنا في «غرفة الإنعاش»، لكن رغم صدى تلك «القنابل» في الإعلام و المجتمع أيضا، لم يتحرك أحد الى إنقاذ الموقف، وبالتالي «نامت» القضايا ، واستبسل مسؤولون لاحقون بـ «تزيين» الواقع والتغني بإنجازاتهم، لنكتشف بعد ذلك أننا نسير في أهم «مجالاتنا» الأساسية الى الوراء بدل ان نتقدم إلى الأمام.
إذا كان ما حصل في «بنية» التعليم قد فاجأنا، فماذا عن «بنية» الإدارة العامة ، وماذا عن «بنية» الصحة والطبابة ، ثم ماذا عن «بنية» الإعلام الذي يواجه اليوم خيار «الانزواء» وشبح «النهاية» ،ثم ماذا أيضا عن «بنية» الأخلاق العامة، سواء أخلاقيات الوظيفة أو أخلاقيات السوق أو أخلاقيات المواطن التي تراجعت وتعرضت لأسوأ التحولات؟ ثم ماذا عن عجلة السياسة التي توقفت ، وماذا عن أزمات البطالة والفقر ، وماذا عن إحساس الناس بالخيبة وتراجع الثقة بينهم وبين مؤسساتهم ...الخ
لا أدري كيف «سكتنا» على هذا «الخراب» التي تغلغل داخل مؤسساتنا ومجتمعنا وبلدنا، وكيف «أغمضنا» عيوننا على «المرض» الذي نهش أجسادنا واكتفينا بابتلاع وصفات «التسكين» التي كنا نعرف أنها قد تهدئ آلامنا، ولكنها لا تشفي عللنا وأمراضنا؟!
هل الحق على المسؤولين الذين وجدوا أن «المشكلة» اكبر من أن يواجهوها في مواقعهم التي جاءوا إليها فجأة وخرجوا منها فجأة دون أن يفسح لهم المجال الكافي لترتيب «أولوياتهم» ومعالجة ما وجدوا من أخطاء؟!
أم الحق على المجتمع - بمؤسساته ونخبه - حين تواطأ مع «الواقع» وظل صامتاً عليه ثم ابتلع الصدمات وكأنها قدر من السماء؟!.. لا أدري - إي والله - كيف سنواجه أجيالنا القادمة حين يسألون عما فعلناه بهم من جنايات.. وعما ورّثناه لهم من «مصائب» وخيبات.
كل ما استطيع ان أدعو اليه هو ان «نستيقظ» أمام هول هذه النوازل التي حلت بمجتمعنا، وأن نتواضع كثيراً في حدّة مكابرتنا وعنادنا ومناكفاتنا «السياسة»، فما يحدث يحتاج من «الجماعة الوطنية» بكل أطيافها وألوانها الى طيّ صفحة «الصراع» على السياسة والمكاسب و»التوافق» على حوار وطني حقيقي، يشارك فيه الجميع للخروج بمشروع وطني حقيقي يتعهد فيه أهل الاختصاص في كل مجال بوضع ما يلزمنا من برامج للخروج من حالة «التيه» وإصلاح «البُنى» التي تهدمت وإعادة «السكة» إلى مسارها الطبيعي.
إذا لم نسارع الى فعل ذلك، فأرجو ألا يقول لنا أحد إنه تفاجأ بما هو أسوأ مما بعض المسؤولين الذين «صدمتهم» الوقائع، فما عادوا قادرين على السكوت عنها، ولا التغطية عليها أيضاً، لكن المشكلة ليست فقط في أبنائنا الذين لا يجيدون قراءة الحروف الأبجدية، بل فينا نحن الذين لا نجيد قراءة هذا الواقع.. ولا نريد ان نعالجه ونتجاوزه.
الدستور