الثقة حاصلة حاصلة
كانت هناك نار تعرف في بوادينا باسم نار (الزحفتين)، توقد من نباتات صحراوية خفيفة، مثل الشيح أو البلان أو القيصوم. وفي أول أمرها ترتفع عالية حامية الوطيس تكاد تميز من شدة الغيظ، فتشب ألسنتها ممتدة لتحرق الطير الطاير، مما يضطرك أن تزحف بعيداً عنها وهروباً من صلي حرها. لكن ما هي إلا لحظات قليلة، حتى تخمد وتفتر وتتحول إلى رماد بارد، فتضطر هذه المرة، أن تزحف لتدنو منها مقترباً، علك تجد دفئاً صار مفقوداً. ولهذا نالت اسمها الحركي (نار الزحفتين). زحفة للهروب، وأخرى للإقتراب من جديد بحثا عن دفء كان هنا.
أول أمس انطلقت مناقشات مجلس النواب لمنح الثقة بحكومة الدكتور بشر الخصاونة،
وكالعادة ستكون هذا المناقشات على شكل خطابات نارية تمتد بصلي حرها إلى عناء السماء. ولا نعرف كم ستأكل من أيام الأسبوع المقبل قبل التصويت على الثقة من عدمها. مع أن منح كل نائب ثلث ساعة لخطاب موجه أرض أرض يمثل فرصة لقياس شدة الحبال الصوتية، واختبار تكتيك: (يا بنت شوفيني وشوفي طولي).
الثقة حاصلة حاصلة، بغض النظر عن بزوغ بعض المفاجآت هنا أو هناك، وبنهاية سنترحم على كل ذلك الوقت المهدور في جمع القيصوم والقش والشيح، لإشعال واطلاق تلك الخطابات العرمرمية، مع أن صبغة الكتل النيابية باتت الأعم في هذا المجلس، ومن المفترض يكون لكل كتلة كلمة واحدة تمثل أعضاءها. ولا داعي ليخطب كل نائب خطبة منفردة.
على رأي أم كلثوم: كل نار ستصبح رماداً إلا نار الحب، التي تزيد جمراً على جمر، ووهجا على وهج. وهي بالطبع بعكس نار نواب، التي ستكون من نوع نار الدنوتين أو الزحفتين، فحين ستسمع تلك الخطب العرمرمية، التي تحرق عين الطير الطاير بألسنتها الملتهبة ستهرب من فيض حرها، لكنك ستزحف بعد منح الثقة بدرجة عالية، لتفتش عن بعض دفء في رماد بارد.
وسيبقى هناك من يقول أن النيران التي أججها السادة النواب قد تكون قريبة جداً من نار الزحفتين، مع فارق طفيف طريف أن الذين سيزحفون ذهاباً وإياباً هم المواطنون الذين يرقبون المشهد على شاشة التلفاز بحثا عن الريموت كونترول.
الدستور