بايدن أمام تحدي تركة ترمب
ان انتهت فترة رئاسة دونالد ترمب، فان اثارها وتداعياتها السلبية والخطيرة على الولايات المتحدة تحديدا ستبقى ماثلة، وربما تحتاج لفترة زمنية طويلة للتخلص منها.. ان كان بمقدورها فعل ذلك. وستشكل التحدي الاكبر الذي سيواجهها مستقبلا كتركة ثقيلة وصادمة ومفاجئة، اثبتت وجود ارضية او قابلية فيها لتقبل خطاب ترمب الشعبوي العنصري اليميني المتطرف، الذي احدث شرخا حزبيا وسياسيا ومجتمعيا كبيرا غير مسبوق، فتح المشهد الاميركي على كل الاحتمالات الممكنة بما فيها نسف ما كنا نعتقد بانها ثقافة وقيما اميركية راسخة في المجتمع الاميركي، بعد السقوط المدوي للديمقراطية والحريات وحقوق الانسان خلال الحقبة الترامبية، التي مثلت اقوى الاختبارات العملية لهذه المنظومة القيمية والاخلاقية التي تهاوت امام ضربات الرئيس ترمب الموجعة والمتكررة لها، بطريقة شحنت الداخل الاميركي بالعنصرية والفوضى والانفلات الذي قسم الشارع الاميركي الى قسمين متشاحنين ومتنافسين يصعب التقارب بينهما في المدى المنظور على الاقل.. وربما تكريس ذلك في المجتمع الاميركي، كواحد من اهم التطورات التي شهدها عهد الرئيس ترمب. الامر الذي عكسه الاقبال الكبير وغير المسبوق على الانتخابات الرئاسية ( حوالي 155 مليون ناخب ) ، والنتيجة الى اشرت الى هذا الانقسام الثنائي المتقارب ( نحو 81 مليون صوت لبايدن، ونحو 74 مليون صوت لترمب ).. مما سيجعل الرئيس المنتخب جو بايدن امام هذا التحدي الداخلي الذي يتطلب جهودا كبيرة لتجاوز اثاره المدمرة على الولايات المتحدة، اذا ما اراد ان يعيد لبلاده هيبتها ومكانتها وسمعتها التي لطخها ترمب باساءته لموسساتها البرلمانية والاعلامية والقضائية وتثويره الشارع الاميركي وشحنه بالعنصرية وتحريضه على العنف واقتحام احد اهم معاقلها الديمقراطية ممثلا باقتحام مبنى الكونجرس.
واذا ما اضفنا الى ذلك التداعيات السلبية الاخرى التي تركها عهد ترمب على علاقة بلاده بالعديد من الاطراف الدولية وتحديدا الاطراف الحليفة كدول الاتحاد الاوروبي وبعض الدول الاسيوية والعربية، اضافة الى انسحاب الولايات المتحدة من بعض المنظمات والاتفاقيات الدولية التي تعتبر من الادوات والاسس والقواعد التي تقوم عليها المنظومة الدولية والتي تنفرد اميركا بقيادتها. معنى ذلك ان ادارة بايدن الجديدة ستجد نفسها مجبرة على اعادة ترتيب اولوياتها وحساباتها وسياساتها الداخلية والخارجية بما يتناسب وتركة ترمب الصادمة، بحيث تكون جهودها منصبة على تصويب الوضع الداخلي اولا من خلال تضميد الجراح واعادة اللحمة وردم الشرخ المجتمعي الذي احدثه الرئيس ترمب، بطريقة قد تلحق الضرر بتكوينة بلاده وتركيبتها الاجتماعية، وتجعلها عرضة للمزيد من الانقسامات والصدامات والازمات، التي قد تهدد نسيجها الاجتماعي وهويتها الفدرالية ربما. اما خارجيا فستميل ادارة بايدن اكثر نحو التهدئة، والعودة بسياسة الولايات المتحدة الخارجية الى ما قبل عهد ترمب، بحيث تعيد الدفء لعلاقاتها مع الاطراف الحليفة، واعادة الانضمام والانخراط بالموسسات والاتفاقيات الدولية التي انسحبت منها. الى جانب التاكيد على التزامها واحترامها للقرارات والمرجعيات الدولية، التي ضرب بها الرئيس ترمب عرض الحائط من خلال تعاطيه مع القضية الفلسطينية والقدس وهضبة الجولان، بطريقة منحازة للكيان الاسرائيلي. مع الحرص على عدم فتح جبهات خلافية او الدخول في اشكاليات مع اطراف دولية حتى لا تفقد تركيزها في معالجة الاولوية التي فرضت نفسها على اجنداتها، ممثلة بالوضع الداخلي وتحصينه من المخاطر والتهديدات التي رافقت سياسات ادارة الرئيس ترمب، والا فان الامور قد تخرج عن السيطرة وتكون مرشحة الى مزيد من الفوضى والانفلات، وبشكل قد يؤثر سلبيا على صورتها الخارجية، وربما على قيادتها للمنظومة الدولية، ووجود اطراف اخرى مستعدة للدخول على الخط ومقاسمتها ومشاركتها هذه القيادة بفعل هذه التطورات مجتمعة.
الدستور