القضية الفلسطينية والمسارات المتذبذبة
ثلاثة متغيرات اساسية لها ابلغ الاثر في تحديد مسار القضية الفلسطينية للاعوام الاربعة القادمة؛ أُولاها فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية، وثانيها ملف التطبيع مع بعض الدول العربية، وثالثها ملف المصالحة الفلسطينية.
كل متغير من المتغيرات الثلاثة يمثل نقطة في منحى الزمان والمكان للقضية الفلسطينية، تجذب المسار العام نحوها صعودا وهبوطا، علمًا بأن كل متغير بحد ذاته يمثل مسارًا متذبذبًا يواجه الكثير من المحطات ومنحنيات الصعود والهبوط في طريق تطوره.
ورغم أهمية فوز بايدن وخطورة ملف التطبيع تبقى المصالحة الفلسطينية المتغير الاكثر قدرة على دفع مسار القضية الفلسطينية صعودا بما يخدم مصالح العرب والفلسطينيين، خلافًا لمسار التطبيع الذي يمثل النقيض للتعريف الحقيقي بالحق الفلسطيني وثوابته الاساسية وحقوقه المشروعة، خصوصًا أن مسار التطبيع العربي الاخير تميز بتبنيه كامل الرواية الصهيونية لفلسطين بل للحضارة العربية الاسلامية بإعلان ردة غير معهودة على قيمها وحقائقها.
مسار المصالحة الفلسطينية مر بعدد من المحطات والمنعطفات الحادة، ورغم مسار الهبوط الذي تمير به عام الوباء 2020 على المستوى العالمي، إلا أنه كان عام الصعود لمسار المصالحة عبر عدد من المحطات واللقاءات في موسكو واسطنبول والقاهرة، بل الدوحة أيضًا، مقدمًا لعام 2021 جدولًا زمنيًّا واضحًا لإنهاء الانقسام، وتوحيد الصف الفلسطيني في مواجهة المشاريع التطبيعية والتصفوية للقضية الفلسطينية، والتي تأثرت بحقبة ترمب و"صفقة القرن" التي قادت إلى نقل السفارة الامريكية إلى القدس، وضم الجولان، والمحاولات المتكررة لضم غور الاردن.
مسار المصالحة يمثل المتغير الوحيد القادر على تفكيك الموجة التطبيعية، ونزع زخمها ودسمها، وهو القادر على إعادة إنتاج فوز بايدن كمتغير يتخذ مساره مبتعدًا عن حلول ترمب وصهره كوشنر ونتنياهو واليمين الذي يقوده.
وبدون المصالحة المبنية على أسس الشرعية، ممثلة بالانتخابات التشريعية والرئاسية والتي تتبعها انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، فإن مستوى الحصانة والمناعة الفلسطينية أمام الانصياع للضغوط والمغريات الامريكية ستكون ضعيفة.
فالإدارة الامريكية الجديدة لن تتحرك في بيئة فقيرة يحركها التطبيع، ومولات صفقة القرن اليمينية، وإنما ستتأثر بالمسار الفلسطيني القائم على المشارك الديمقراطي، وهو الامر الذي تفتقده بعض الدول المطبعة. كما أن إدارة بايدن معنية باستعراض قدراتها الدبلوماسية بتفكيك أزمات المنطقة، واستعادة دورها في موازاة تضخم الدور الروسي والصيني، إلى جانب أدوار القوى الإقليمية الأساسية او الهامشية الحديثة العهد بالعمل السياسي، وهو دور امريكي مدعوم بقاعدة قوية من اليسار التقدمي والليبرالي الذي لا ينزع إلى تبني كامل الرواية الصهيونية كحال التيار الإنجيلي اليميني.
الفرصة مواتية لإضعاف مسار التطبيع و"صفقة القرن"، والدفع نحو محاصرة الكيان الاسرائيلي من جديد، ممثلًا باليمين المتطرف الذي يقوده نتنياهو كحد أدنى في المدى المنظور.
السبيل