بانتظار لقاح كورونا.. هل تفترس الدول الغنية الفقيرة؟
سيبقى عام 2020 علامة فارقة في تاريخ البشرية، وكلما استعاد الناس تفاصيل أيامه سيتذكرون بمرارة وألم فقدانهم لأحبتهم في مواجهة مع جائحة كورونا، وسيروون للأجيال القادمة ذكريات مروعة عن لحظات عاشوها في الحجر المنزلي خوفا من الوباء.
في نهاية العام الماضي بدأ النور يلوح في نهاية النفق، كما يصف الحال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس مع بدء حملات التطعيم التي أطلقتها دول العالم إيذانا بمحاولات القضاء على فيروس كورونا الذي تسبب في إصابة 93 مليون شخص، وأودى بحياة ما يزيد عن مليونين.
النتيجة التي خلُصت لها منظمة الصحة العالمية توحي أن على العالم أن يتعايش مع الوباء حتى عام 2021، وأن تظل الكمامة ملازمة لحياته اليومية
مدير منظمة الصحة العالمية وهو يرى النور الساطع وحالة التفاؤل التي أطلقتها شركات الأدوية التي أنتجت اللقاحات المضادة لـ كوفيد-19، يعترف أيضا أن المطاعيم ليست رصاصة فضية يمكن الاعتماد عليها وحدها لمحاربة الوباء، وأن الإفراط بالاعتماد عليها قد يضر الدول.
النتيجة التي خلُصت لها منظمة الصحة العالمية توحي أن على العالم أن يتعايش مع الوباء حتى عام 2021، وأن تظل الكمامة ملازمة لحياته اليومية، وأن يتقبل فكرة التباعد الجسدي لعام إضافي جديد.
رغم المخاوف وحالة الإحباط التي سادت بعد أن سرت معلومات عن جيل جديد مُتحور من فيروس كورونا، إلا أن دول العالم في سباق لحيازة المطعوم؛ لحماية السكان القاطنين على أراضيها، ولوقف النزيف الاقتصادي الذي تُعاني منه بسبب إجراءات الحظر والإغلاق التي فرضتها تدابير الصحة والسلامة العامة.
المعلومات المتداولة إعلاميا أن أربع دول ستنتج لقاحات تفوق عدد سكان العالم، فأميركا وحدها قادرة على إنتاج 4.7 مليار جرعة حتى نهاية العالم الجاري 2021، والهند قادرة على إنتاج 3 مليارات، والصين ما يقُارب ملياري جرعة، والمملكة المتحدة مليار جرعة، لكن هذه المؤشرات الرقمية لم تمنع الارتباك بحملات التطعيم بسبب تراجع خطوط إنتاج شركة فايزر، وحتى الآن فإن معظم دول العالم لم تُحقق الأهداف التي كانت تأملها في إعطاء اللقاحات.
مدير شركة فايزر ألبرت بورلا خرج ليُطمئن العالم أن تراجع خطوط الإنتاج أمر مؤقت لزيادة الطاقة الإنتاجية، مُبشرا أن شركته ستكون قادرة على إنتاج ملياري جرعة مع نهاية هذا العام.
حالة التسابق واللهاث وراء اللقاحات تواجه أيضا بحملات تشكيك بفعالية ومأمونية المطاعيم. والحقيقة أن الأمر يتعدى دول العالم الثالث التي تسودها الخرافات ويطغى على تفكير ناسها نظرية المؤامرة. وتُشير مراكز استطلاعات رأي عالمية في أوروبا إلى وجود نسبا لافتة في المجتمعات الأوروبية لا تُبدي حماسا لتلقي اللقاحات.
لا يمكن الجزم بأسباب العزوف والمخاوف عند البعض من أخذ اللقاح، لكن المؤكد أن ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي التي تُسهم في ترويج الشائعات وتوظيفها قد يكون لها دور في هذه الظاهرة. فما يجب أن نتذكره أن آخر مطعوم أنتجته البشرية لمواجهة وباء خطير كان بالتأكيد قبل ولادة السوشيل ميديا.
تحاول منظمة الصحة العالمية أن تُخرج لقاحات كورونا من مضمار التسييس، وأسست التحالف من أجل اللقاحات "كوفاكس"؛ لتضمن أن لا تفترس الدولُ الغنيةُ الدول الفقيرةَ
ربما يكون الحديث عن استخدام طريقة جديدة في صناعة اللقاحات أو ما سُميّ لقاحات "الحمض النووي الريبوزي"سببا آخر للتشكيك في مأمونية هذه المطاعيم، خاصة أن هناك آراء طبية ترى أنها لم تخضع للتجربة الكافية، في حين وصفها العديد من الأطباء بأنها فتح علمي غير مسبوق، مُنوهين إلى أن هذه التقنية قد تُستخدم بفعالية لعلاج مرض السرطان الذي يُزهق ملايين الأرواح سنويا.
لن يُنهي فيروس كورونا الجدل حول اللقاحات، لكن اللافت أن "فايزر" تُنقذ البشرية للمرة الثانية في عقود قليلة، فقبل 30 عاما تقريبا أهدت للإنسانية "الفياغرا" التي أنقذت الملايين من العجز الجنسي، وهي اليوم تنتشل العالم من وباء يقضي على حياتهم ويعزلهم.
تحاول منظمة الصحة العالمية أن تُخرج لقاحات كورونا من مضمار التسييس، وأسست "كوفاكس" التحالف من أجل اللقاحات؛ لتضمن أن لا تفترس الدولُ الغنيةُ الفقيرةَ، وأن لا يفتك الأغنياء بالفقراء، فالقلق مُبرر بعد أن تواتر معلومات أن أكثر من مليار لقاح اشترتها الدول الغنية من مجموع مليار و300 مليون كان يُتوقع إنتاجها، ولهذا حذرت هيومن رايتس ووتش من أن أسعار اللقاحات قد تكون عائقا أمام الحصول عليه بشكل عادل وشامل، وأن العالم مُطالب بإلزام الشركات بتسعيرة شفافة يتحقق من عدالتها طرف ثالث.
تُصارع منظمة الصحة العالمية مع المنظمات الحقوقية لضمان أن لا تُصبح اللقاحات حكرا على الأغنياء والدول الثرية، ففي العالم يموت الفقراء دون أن يجدوا طعاما ولباسا، ولا يجد الملايين من اللاجئين مأوى لهم يحميهم، إذن ما هي فرصة هؤلاء جميعا في الحصول على لقاحات تحمي حياتهم من فيروس كورونا وسط هذا السباق المحموم، وهل يحتكم هذا الصراع لقواعد إنسانية تنظر للجميع بسواسية بمعزل عن لغة المال؟
"كوفاكس" تُعلن الحصول على ملياري جرعة لـ 190 دولة في العالم؛ لتحقيق شعارها "حماية الشعوب الأكثر ضعفا"، هذه التعهدات ستخضع للرقابة والاختبار في أكبر تحدٍ ومحنة صحية تواجه العالم في القرن الأخير.
المفاجأة الخطيرة رغم التطمينات الإيجابية ما جاء على لسان مدير منظمة الصحة العالمية وملخص قوله بأنه "أعطي 90 مليون جرعة لقاح حتى الآن في 49 بلدا من ذوي الدخل العالي، وأعطي 25 جرعة فقط في بلد ذي دخل منخفض، وليس 25 مليون أو 25 ألفا".
ويُكمل مدير أعلى هيئة أممية تهتم بالصحة "سأكون فجا، إن العالم على شفا فشل أخلاقي كارثي، وثمن هذا الفشل سيودي بأرواح الناس ومعيشتهم في أشد الدول فقرا"، مُحذرا "يتحدثون عن التوزيع المنصف، لكن بعض البلدان والشركات تعطي الأولوية للصفقات الثنائية مُلتفة على كوفاكس، رافعة الأسعار ومُحاولة القفز إلى مقدمة الصف، هذا خطأ".
على ضفاف هذا الوضع المُفجع وكأنه يبدو سباقا للتسلح برزت ظاهرتان، الأولى من إسرائيل التي تصدرت دول العالم في تطعيم مواطنيها، فالأرقام الراشحة تتحدث عن تطعيم ما يزيد عن مليوني شخص خلال فترة قصيرة، وفُسرت أو وصفت بأنها "حرب اللقاحات" يوظفها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ضد خصومه السياسيين إيذانا بإنهاء تطعيم كل السكان قبل موعد الانتخابات في الثالث والعشرين من مارس القادم، وإذا ما استثنينا الصراع السياسي فإن السر الغائب كيف حصلت إسرائيل على كل هذه الأعداد الكبيرة من اللقاحات قبل كل دول العالم؟
أما الظاهرة الأخرى فتأتي من طهران حين دعا المرشد الأعلى في إيران على خامنئي إلى مقاطعة اللقاحات الأميركية والبريطانية؛ لأنه لا يثق بها، والحل تطوير لقاح جديد تحت اسم "كوف إيران" بالتعاون والشراكة مع كوبا.
السيناريو الإيراني لم يصمد أمام الضغوط الشعبية التي طالبت الحكومة بشراء اللقاح الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية، فسارعت لتهدئة الشارع بالإعلان عن توجهها لشراء ما يزيد عن 20 مليون جرعة من اللقاحات الصينية.
بكل الأحوال، فإن اللقاحات إكسير الحياة للناس في زمن كورونا، وهي التي ستفك قيودهم، وتحررهم بعد أن ذاقوا مرارة السجن في منازلهم بسبب جائحة كورونا التي غيّرت العالم ودمرت بهجة الحياة؛ ولهذا فإن فايزر وأخواتها من اللقاحات طريق الخلاص للناس.
الحرة