أخطاؤنا المقدسة..؟!
سألت احد أساتذة الاجتماع وعلم النفس عن «الحكمة» من انشغالنا «بالخطأ» واستماتتنا للدفاع عنه وتبريره، وتسويغه لأنفسنا حتى تقبله، وكأنه مسألة مقدسة، قال لي الرجل كلاما طويلا عن افتقاد مجتمعاتنا للحكمة، وعن الارتجالية التي نمارسها في حساباتنا، وعن «الانحدار» الجنوني الذي أشار اليه احد علماء النفس، هذا الذي لا يمكن للمحلل ان يفهمه او يتعامل معه، على عكس المرض الجنوني الذي استطاع العلم ان يحدد أسبابه ويهتدي الى علاجه..
أضاف الرجل بان ثمة قوانين أخرى تساعدنا على فهم هذه الحالة، وهي قوانين الكون الثابتة التي تفرض منطق «تعمد» الخطأ والاستمرار فيه لتكشف بالتالي عن البديل، قلت له: اذن «لازم نخطئ» حتى تفاجئنا الكاشفة؟ قال: أحيانا نفكر طويلا.. وطويلا جدا في خياراتنا ومقرراتنا ويتبين لنا بحساباتنا انها خاطئة او غير مجدية، ولكننا نصر عليها ونعتمدها، لماذا؟ الجواب كما قلت: «لازم نخطئ» حتى تتغير الصورة.. ونطرق أبواب الحلول.. ونصل الى الحقيقة التي نريدها، او الى العافية التي نبحث عنها.
فهمت من كلام أستاذنا ان الإصرار على الخطأ وتعمده يخرج غالبا من رحم «الاستعلاء» ويتناسل فيلد «الاستعداء» ويتناسل مجددا فيلد ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر وحينها نشعر جميعا اننا امام «حالة» غير مفهومة، مرض جديد غير قابل للمعاينة، ألغاز لا يمكن تأويلها او تفكيكها، صراعات لا معنى ولا جدوى لها، جراحات عميقة في «الذات» تحتاج الى زمن طويل حتى تندمل، صمت «مطبق» لا نعرف من اين جاء.. ولا متى سينتهي.
اشعر أحيانا ان كثيرا من الأمراض التي تعاني منها مجتمعاتنا لا تحتاج الى «إبداعات» سياسية بقدر ما تحتاج الى «إبداعات» نفسية ولا تحتاج الى منظرين في السياسة وانما الى خبراء في علم النفس والاجتماع، واشعر في احيان اخرى بان ما ذكره احد الاطباء النفسيين عن التغيير الجذري في الصور التي عهدناها لأمراضنا النفسية عما كنا نراه منذ عشرين او ثلاثين عاما، يبدو صحيحا، فنحن امام صور جديد لم نألفها تبدو أحيانا على سطوحنا السياسية او الاجتماعية او الثقافية، على شكل عنف غير مفهوم او مقررات غير مدروسة او خيارات غير معقولة، تتشابك تفاعلاتها وآثارها وأصدائها في دوائر وهمية يصعب تحديد اتجاهاتها او أسبابها او فهم رسائلها المشفرة.
ما الحل؟، هذا - بالطبع - سؤال صعب، وأنا أضعه في عهدة علماء النفس والاجتماع، ومراكزنا التي ترصد حركة المجتمع وما طرأ عليه من تحولات، ولكنني لم أجد وصفة عاجلة لتدارك أخطار «امتداد» من عدواه سوى وصفة «الحوار» نعم الحوار الذي دعوت إليه أكثر من مرة، وانتصرت له في كل مناسبة.. الحوار المنتج لا المغشوش.. الحوار المفتوح الذي يرفض منعطف الاستعداء والاستعلاء وجدل «الطرشان».. أمامنا خياران لا ثالث لهما: اما منطق الحوار البناء او منطق الاستعلاء والاستعداء.. واعتقد ان الإجابة لا تحتاج لمزيد من التردد والتفكير.. اليس كذلك؟.
الدستور