كل شيء يموت حتى عقولنا هرمت
أكثر ما يثير الدهشة هو انتقاد وزراء ومسؤولين سابقين للحكومة وقراراتها بعد خروجهم من المنصب بالتعديل أو باستقالة الحكومة.
يستغلون أي فرصة لإظهار أنفسهم كضحايا، وبأنهم دفعوا ثمن محاولاتهم وقف بعض القرارات الحكومة غير الشعبية، وبأنهم لم يُمنَحوا الوقت الكافي لإحداث تغيير في عمل وزارتهم وتحقيق الانجازات المطلوبة منهم.
مع أننا لم نسمع منهم أية آراء مناهضة أو مناقضة لسياسات الحكومة بشكل عام، ولم نسمع صوتهم بالرفض والمعارضة، ولم يلوح أحدهم أو يهدد بالاستقالة وهو يجلس على كرسي الوزارة الوثير.
معظم السياسيين في الأردن يكونون أصحاب مشاريع وطنية يوم ولادتهم السياسية، لكنهم ما إن يصلوا إلى الكرسي وتبدأ الرواتب والمكافآت في الهبوط في حساباتهم الشخصية، وتبدأ عجلة المصالح تربطهم مع أجهزة الدولة حتى يتحولوا إلى النقيض وإلى جزء من آلة السلطة.
لم يعد ثمة حدود فاصلة بين الوطنية والولاء والمعارضة، جميع المصطلحات تداخلت وأصابها التشوه والانكماش.
هذه المصطلحات تحكمها المصلحة والرغبة في تحقيق الذات والبقاء في السلطة والحصول على جميع امتيازاتها ضمن حدها الأعلى حتى وإن كان على حساب ميزانية الدولة المنهكة والمثقوبة من عدة جهات.
كل المصطلحات الكبرى تموت، اليسار فقد هويته حين تحالف مع الديكتاتوريات مناكفة للإسلام السياسي، ولم يعد قادرا على طرح أية أفكار تواكب التغيرات في العالم .
التيار الإسلامي يجري إجهاضه وإجراء عملية استئصال لكل جذوره وحرمان من حقه بالتنفس إلا عبر الأجهزة التي تتحكم بها الدولة.
وكأن الحكومات تريد تحويلنا إلى شعب أكثر ليبرالية وأكثر تحررا وتساهلًا مع القيم، تحويلنا إلى عربة أو سلة في سوق تجاري حتى يكون هدفنا فقط ملء البطون حد التخمة، وإعطاء عقولنا وأرواحنا إجازة مفتوحة من التفكير أو حتى محاولة التفكير، لأنه سيكون ضارا بالصحة العقيلة وبجهاز المناعة.
الحكومات تسعى إلى تقزيمنا وكسر ظهورنا بأحمال ثقيلة، فهي تعرف تماما أن الأشجار العالية والكبيرة ينبت تحتها الفطر، أما الأشجار الصغيرة فلا ينبت تحتها شيء.
تعرف تماما أننا هرمنا ليس في انتظار اللحظة التاريخية وإنما الشكوى التي لا تصل ولا ينقلها ساعي البريد.
السبيل