يا سادة: افتحوا لواقطكم
لم تتحرك الحكومات الأردنية المتعاقبة منذ عام 2012 وحتى الان لالتقاط الأوراق النقاشية الملكية السبعة التي تشكل «الأرضية» المهمة لانطلاق عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي التي ينتظرها الأردنيون منذ عقود.
لا يوجد – بالطبع- لدي أية إجابة على سؤال: لماذا؟ لكنني اعترف بأنني ما زلت مشغولاً بالتفكير في «جدوى» ان نكتب، وان نطالب بالإصلاح، وان نحمل على ظهورنا منذ أن ابتلينا بممارسة العمل العام «صخرة» الهمّ الوطني، قلت في مقالة أمس الأول اننا -أقصد الأردنيين- تعبنا من المطالبات ومن انتظار انبلاج فجر الإصلاح وفرج سيادة العدالة وردّ التحية للناس الطيبين في بلدنا.
ماكينة «التشخيص» لحالة بلدنا تحركت -وربما ما تزال- ومعها تحركت «ماكينة» الوصفات والاقتراحات والتوصيات، خذ مثلاً «تقرير حالة البلاد» ومجلداته التي طويت دون ان يلتفت لها أحد، خذ – ايضاً- استطلاعات الرأي والدراسات التي قدمها مركز الدراسات الاستراتيجية عن اوضاعنا العامة، خذ –ثالثاً- الاف المقالات التي تتوجه الى «صانعي القرار» وتعكس هموم الناس واحتياجاتهم، خذ –رابعاً- عشر سنوات من الاحتجاجات والمطالبات التي ترددت اصداؤها في شوارعنا وطرقت «باب الخزان» السياسي...كل ذلك وغيره لم يجد آذاناً صاغية من الحكومات لنأخذ الأمر على محمل الجد.
بدل ان نسأل انفسنا عن «رجالات» الدولة الذي يختفون عن المشهد في كل أزمة نواجهها، او عن «النخب» التي استقالت من وظيفتها التنويرية، او عن «الأحزاب» التي تقف على رصيف العمل السياسي وتغرد على هوامش العشيرة او «الآباء» الروحيين من الممولين، او عن «الشباب» الذين اصبح حلمهم الوحيد الهجرة الى الخارج بحثاً عن فرصة عمل او مقعد دراسة، او عن «الاعلام» الذي انطوى على نفسه بعد ان ذاق مرارة «الخيبة» ودفع ثمن الصمود...بدل ذلك لا بد ان نسأل عمن دفع هؤلاء وغيرهم للوصول الى هذه النتيجة من حرك بداخلهم سؤال «وانا مالي؟» بعدما ادركوا بأنه «لا حياة لمن تنادي».
ان اخطر ما يمكن للأردنيين الطيبين ان يشعروا به هو «اليأس» واللاجدوى وقبل ذلك الإحساس «باليتم» وفقدان الأمل لعدم وجود «لواقط» تستقبل صراخهم او انينهم، عندئذ كيف يمكن ان نلوم من يذهب لاقتحام «مصنع» لانتزاع ما يراه حقاً لأبناء عشيرته، او من «ينفجر» قهراً وهو يرى ان ثمة أشخاصا يحصدون رواتب وامتيازات بعشرات الالاف دون وجه حق او انجاز، او لمن يتهرب من القانون ويجاهر بالموبقات الوطنية...هؤلاء حين غابت المؤسسات التي انيط بها حمايتهم والدفاع عن حقوقهم وتنازلت للأسف عن القيام بدورها لم يجدوا أمامهم سوى الأبواب وربما الشبابيك غير المشروعة فدخلوا منها...وفعلوا ما لا يمكن لأحد ان يقبله لو كانت «القنوات» المشروعة مفتوحة، والدولة والمجتمع يتمتعان بما يلزم من عافية.
يا سادة، افتحوا «لواقطكم» لتسمعوا ما يتغلغل في مجتمعنا من «حراكات» وما يواجهه من أزمات، وما يتعرض له من تحولات...ثم تحركوا لتطمينه بأن ثمة حلولاً عاجلة، وفرجاً قريباً، وآفاقاً «سياسية» يمكن ان تنشئ حوارات منتجة، لقد تعب «الناس» من منطق التطنيش والتهميش...وصار من واجب المسؤول ان يتقدم نحوهم خطوة، وأن يمد يده لمصافحتهم والاجابة عن اسئلتهم الحائرة.
الدستور