وقف التعليم: ياسين الحسبان نموذجًا
الخير في بلدنا موجود، والأخيار هم أقمار الوطن، بهم تضاء العتمة، وإليهم يفيء الناس، هم أهل الصدقات، والبيوت العالية، ممن لا يسبأون الزق الروي رزقه، بل يعظمون نارهم، لعلها تجلب ضيفاً.
هذا الحديث، ليس من باب التذكر او الفطنة، بل من باب أن المقال في أوانه، وهو قول على قول القائلين قبل أيام بمأسسة وقف التعليم، وتأييد لهم، حين تدالوا الأمر في مناسبة أردنية، تحدث بها رجال أكفاء ويعرفون قيمة العلم.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا المجال، الريادة للمرحوم د محمد حمدان، وللدكتور ياسين الحسبان أمدّ الله في عمره، وابقاه لأهله ووطنه، باب خير ويد عالية.
وإذ أنشأ اللواء الطبيب الانسان ياسين الحسبان مدرسة بلكفة ربع مليون دينار في حي الحسبان بمدينة المفرق، سُميّت باسم والده محمد الصايل الحسبان، أحد رجالات الجيش العربي الأردني، فإن في هذا البر والصدقة الجارية الكثير الكثير من النبل والخير العميم لأهل المنطقة، وفيه من المرؤوة وطيب اخلف ومحتدّ النسب والأصل من يعجز البيان عن كتابته.
ذلك الخير لم يكن صدفة ولا نبتا آنيا، فالدكتور ياسين، هو ابن الدول وابن القبيلة الأردنية الواحدة، بنى عبر مسيرته الطويلة في التعليم والطب والعمل العام سمعة طيبة وسمته بكل معاني الرجولة، والحضور الوطني المشع أينما حل وارتحل.
مدرسة محمد الصايل نموذج في الوقف التعليمي، ولكن من حق الراحل محمد الصايل أن نُذكّر به، وهو المعلم والجندي في آن، وهو الذي خطى أول العمر معلماً، وكان سمع من جده صايل التاجر المتنقل بين بغداد ودمشق والمفرق في الزمن العثماني وأوائل عهد الإمارة، عن سوء الإدارة العثمانية، وعن ملامح النهضة العربية والوعي القومي.
انعكست تلك الظروف التي عاشها صايل بقسوتها، على نجله محمد، والذي ارتبط بعلاقات وطيدة مع هزاع المجالي ووصفي التل وشفيق ارشيدات وحمد الفرحان وغيرهم من الوطنيين أبناء المدرسة الأردنية الرفيعة القيم، وكان تعليمه في ثانوية السلط وتخرجه منها العام 1938 وراء تلك الروح التي شبّ عليها، عروبياً القلب، أردني الهوى والخلق.
ذات صباح اصطحب صايل ابنه محمد علي لتسجيله بالجيش، يقول الطبيب ياسين الحسبان:»قابل والدي كلوب باشا ورفض أن يسجل أبي بالجيش»، عندها ذهب الجد إلى القدس وقابل المندوب السامي للشكوى على كلوب باشا، الذي وجه له المندوب السامي رسالة مضمونها انه قابل بالقدس شاباً متعلماً ويتحدث الانجليزية ويطلب إليه تجنيده بالجيش».
هذا السعي للتعيين في الجيش، والكفاءة التي أبداها صايل الحسبان، ثم ما سعى إليه الابن ياسين نحو العلم والدراسة برغم يتمه المبكر، تؤكد قيمة العلم والتعليم في هذا البيت الكبير وفي هذه العائلة المستنيرة، والتي وجدت في د ياسين خير يحسن برَ أهله، عبر مدرسة تُعلم الصغار وتعدهم للمستقبل.
نعم الأخيار هم من يصل خيرهم الناس، والمال لا يرخص إلا على النفوس الكبير، امثال ياسين الحسبان الطبيب الانسان، الذي كأنه بكفه ينحو العواليا عن قومه، ويديم الخير على أهله، ويؤكد أن الزرع الطيب ينبت نبتاً طيباً، وهذا هو الخير الذي ينفع الناس فيصيبهم نعمة ثم يمكث في الأرض.
فطوبى للدكتور ياسين الحسبان وأمثاله في البر والخلق والرجولة، وما هذا الوقف إلا ترسيخ لمبادئه وقيمه، وعون للدولة وقيادتها الهاشمية، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
الدستور