مفاوضات ألاسكا وتداعياتها على الخليج العربي والسويس
اجتمع وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع يانغ جيه تشي أرفع مسؤول في السلك الدبلوماسي الصيني، وعضو مجلس الدولة وزير الخارجية وانغ يي في أنكوراج بولاية ألاسكا، لقاء الخميس والجمعة يوم 18 و19 آذار/مارس الحالي تم التمهيد لها بزيارات قام بها المسؤولون الأمريكيون للدولتين الحليفتين اليابان وكوريا الجنوبية، بهدف التأكيد على الالتزام الأمريكي بمنطقة المحيطين الهندي والهادي في مواجهة النفوذ الصيني.
بيد ان الزيارات الهادفة لطمأنة ومشاورة الحلفاء في جنوب شرق اسيا سبقها استعدادات في مختلف الجبهات؛ إذ لم تقتصر على الباسفيك بل شملت المحيط الهندي؛ بإعلان الرئيس الامريكي جو بايدن إحياء التحالف الرباعي "كواد" بلقاء ضم وزراء خارجية دول التحالف الرباعي في 18 شباط فبراير الفائت ضم استراليا واليابان والهند الى جانب الولايات المتحدة الامريكية؛ تحالف اقترحته طوكيو قبل سنوات قليلة لمحاصرة الصين، إلا انه تعرض للإهمال من قبل ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
الانخراط الامريكي في المواجهة مع الصين بات شبه كامل اذ انه يتضمن احياء التحالفات والمبادرات السياسي والعسكرية؛ ويمتد تأثيره الى الجانب العسكري بشكل واضح بإرسال حاملة الطائرات (نيمتز) التي تم سحبها من الخليج العربي رغم التوتر الكبير والهجمات غير المسبوقة على المملكة العربية السعودية الحليف والشريك الاستراتيجي الذي باتت الهند مقدمة عليه؛ فالهند باتت مخولة بالضغط على الرياض دون اعتراض أمريكي؛ اذ هددت دلهي بوقف استيراد النفط من الرياض لإجبارها على رفع سقف انتاجها وخفض اسعارها.
أمريكا أبعد ما تكون عن الانخراط في أزمات الإقليم التي ستعرضها لاستنزاف شديد، وتبدي رغبة جامحة لتفعيل القوى الاقليمية وتوازناتها المحلية، والتشجيع على إطلاق مبادرات اقليمية واتفاقات كبرى كالاتفاق النووي الإيراني 5+1، وإرسال المبعوثين لإحياء المفاوضات في اليمن او احياء التجمعات العربية كالعراق والاردن ومصر؛ فأمريكا تشجع دول الاقليم على الحوار والتعاون؛ فرصة ثمينة لتحقيق مكاسب لدى البعض ومن ضمنها إيران والهند والكيان الاسرائيلي؛ وتتضمن اعباء كبيرة في الوقت ذاته وتحديا مزعجا لدى البعض.
فدول الخليج تعاني من اضطراب البوصلة؛ بشكل أفضى الى مخاطر حقيقية يتجاذبها الاندفاع نحو العدو الاسرائيلي والعملاق الهندي؛ فالفرصة لبناء شراكات وتعاون حقيقي يخدم مصالح شعوب المنطقة العربية وغرب آسيا عرضة للتبخر نتيجة خيارات بعض الدول العربية واضطراب بوصلتها الاقليمية والثقافية والحضارية ايضا.
في كل الأحوال؛ انشغال امريكا في بحر الصين الجنوبي والهادي والمحيط الهندي ليس وهماً؛ إذ كاد ان يفضي الى مواجهة بين الصين وامريكا في بحر الصين الجنوبي شاركت فيه المدمرة الامريكية جون ماكين وعدد من القطع البحرية الصينية التي اجبرت المدمرة الامريكية على مغادرة المياه التي تدعي الصين السيادة عليها.
ليس وهماً أن امريكا والصين اختارتا ألاسكا كمكان للقاء مسؤولي البلدين؛ فالمقاطعة الامريكية الباردة تطل على اهم المعابر البحرية المتشكلة نتيجة ذوبان الثلوج؛ طريق جديد سيمكن الصين الوصول الى الاسواق الاوروبية واسواق امريكا الجنوبية بل وافريقيا دون كبير عناء وبكلف متواضعة؛ حلم صيني جيوسياسي لن يتحقق لا في المحيط الهندي او الهادي او الممرات الذائبة الا باتفاق مع اميركا؛ من خلال شراكة تقر بالتفوق الامريكي الجيوسياسي الممتد الى السويس والخليج العربي.
ختاما؛ أمريكا منشغلة وستبقى كذلك لفترة ليست بالقصيرة وعلى العرب في الخليج العربي والبحر الاحمر ان يتعايشوا مع المعادلات الجديدة التي تضعهم في ذيل الحسابات السياسية الامريكية والصينية ما دامت خياراتهم تقتصر على ما تقترحه امريكا؛ متناسين ان هذا العالم يضم الصين وروسيا وعدد من القوى الاقليمية المتحمسة للتعاون مع دول الاقليم العربي.. فهل يصوغ العرب أجندتهم الذاتية، أم سيبقى العرب رهينة الإرادة الامريكية وذوبان الثلوج في القطب الشمالي التي تزيدها تبخراً وسيولة مفاوضات ألاسكا؟
السبيل