عن «أزمة السويس» 2021
ونحن نتابع أنباء واقعة جنوح سفينة الشحن العملاقة في قناة السويس، وإغلاق الممر المائي الأهم للتجارة العالمية، لم نلجأ إلى الخيار الأول، المحبب لدى المراقبين والمحللين العرب: نظرية المؤامرة، بيد أننا تحوطاً، لم نسقطه من حساباتنا، عملاً بنصيحة أستاذ الصحافة العربية، محمد حسنين هيكل: «التاريخ ليس مؤامرة، لكن هناك مؤامرة في التاريخ».
وفضلنا في حوارنا على قناة الميادين، أن نترك هامشاً لكل الروايات والاحتمالات، مؤثرين البحث والتنقيب في قوائم المستفيدين من تهميش القناة والإساءة لسمعتها، وتعظيم المخاطر المصاحبة للمرور بها، وهو استهداف لمصر، واستنزاف لمواردها، لنجد أن إسرائيل، تتصدر قائمة المستفيدين، وربما تنفرد بها.
لم نفعل ذلك من قبيل، «العادة الدارجة» بإلقاء اللائمة على إسرائيل من دون تمحيص، ولكن بالعودة إلى خطط وبرامج ومواقف ومشاريع إسرائيلية معلنة، يجري العمل على تنفيذها بهدوء وتصميم، وليس بصمت، فلا شيء يحدث بصمت في إسرائيل، أقله في العقدين الأخيرين.
فكرة «قناة موازية»، تربط البحرين الأبيض بالأحمر، وتعبر النقب، فكرة قديمة جديدة، وكانت مدعومة من الولايات المتحدة زمن الناصرية والحرب الباردة والاتحاد السوفياتي...الفكرة لم تمت، وإن كانت وضعت في الأدراج «إلى حين ميسرة».
فكرة أنبوب نفطي، يمتد من إيلات إلى أسدود، فكرة قديمة كذلك، عرضها شاه إيران المخلوع على الحكومة الإسرائيلية، وكان الهدف منها تفادي مرور النفط الإيراني (وربما غيره)، من قناة السويس، بضخه في مستوعبات عملاقة في إيلات، تمهيداً لضخه بالأنبوب، إلى ميناء أسدود على المتوسط، ومن ثم شحنه إلى موانئ الدول المستهلكة، الفكرة ماتت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ليُعاد إحياؤها من جديد، ومن قبل أطراف عربية هذه المرة، بعد موجة التطبيع الأخيرة.
وبعد انتعاش موجة التطبيع العربي – الإسرائيلي، بدأ الحديث يتوالى عن بدائل «برية» وليس «مائية» للقناة: طرق سريعة، سكك حديد، أنابيب، لنقل النفط من الخليج إلى ميناءي أسدود وحيفا...الأول، أكثر يسراً، كونه أقرب إلى مصادر الإنتاج ومشاريع استراتيجية على البحر الأحمر، والثاني، ما زالت تحيط به ظلال الأزمتين السورية والعراقية...هذه الحزمة من «وسائل النقل»، ما كان بالإمكان التفكير بها، من دون «تواطؤ» على الإضرار بمصر وشريانها الحيوي...ثمة تفاصيل كثيرة، ومحادثات متعددة الأطراف، تارة برعاية أوروبية، ودائماً برعاية أمريكية، من لترجمة حلم إسرائيل بالتحول إلى مركز وممر»Hub»، للطاقة والتجارة، ومن ضمن مسعى أوسع لإدماجها في المنطقة اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً.
لهذا كُلّه، قلنا إن إسرائيل هي المستفيد الأول، إن لجهة عرقلة الملاحقة في القناة، أو لجهة تدمير أكبر مرفأ شرقي المتوسط: ميناء بيروت، وسواء أتم الأمر في الحالتين، نتيجة خلل فني أو خطأ بشري، إهمال وفساد أم «فعل فاعل»، فإن النتيجة ذاتها.
لكن لم يخطر ببالنا، ونحن في حمأة التنقيب عن مشاريع إسرائيل، الموزاية والبديلة، لقناة السويس، أن هناك من يفكر جدياً، بعرض خدماته في هذا المضمار: إيران، التي لم تنتظر طويلاً، قبل أن تقدم «ممر شمال جنوب» كبديل عن قناة السويس، أقل كلفة وأكثر اختصاراً للوقت، وتشرع في الترويج له، وهي تجد في مسعاها هذا، تجاوباً، من الصين والهند واليابان، ولكل دولة حساباتها.
من حق إيران، كأي دولة، أن تسعى في تعظيم مكانتها الاستراتيجية، إسرائيل تفعل ذلك، بأقل قدرٍ من ردود الأفعال العربية الغاضبة، ولكن من واجب مصر والعرب، أن يتنبهوا قبل فوات الأوان، إلى ما يحيط بهم من تهديدات، تجردهم حتى من «ميزتهم النسبية»، التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل: الجيوبوليتك، إذ حتى هذه، باتت مهددةً بخرابنا وسوء إدارتنا وفسادنا وقلة حيلتنا.
الدستور