بــيـاع الجرايد
كنت -ولا فخر-أحد باعة الصحف في مادبا نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وما زلت أذكر صراخي الخجول في أزقة القرية التي تعتقد أنها مدينة:
-الدستور.... الأنوار.... النهار.... مجلة العربي
- بصراحة...يكتبها محمد حسنين هيكل (مقال أسبوعي تنشره أكثر من صحيفة). كان ذلك على الأغلب خلال العطلة المدرسية وأيام العطل الأسبوعية (جمعة وأحد)، مع أني لم أكن تلميذا نجيبا في الأصل. ومن هنا بدأت علاقتي بالصحافة. من الصراخ والدوران في الشوارع، مما أهّلني فيما بعد أن أصبح صحفيا ابن شوارع أنتمي للناس والأزقة والخبز، ويمارس الصراخ المتاح في أزقة الوطن.
لم تكن الإشارات الضوئية قد وصلت الأردن بعد، لكن صحيفة الدستور كانت بيّاعة في شوارع مادبا، وكانت تنال احترام مجموعات أو فئات متنافسة أو متناحرة أحيانا، كان يشتريها الشيوعي والقومي والبعثي والإخواني، وكنت أوصلها الى بعض مكاتب المنظمات الفلسطينية المنتشرة في المدينة والى بيوت بعض الوجهاء.
لذلك كانت الدستور قريبة مني حينما صرت بعد عقد ونصف تقريبا أشارك في تحرير الأخبار الثقافية أنا وصديقي محمد المشايخ، وكان مسؤول الصفحات الثقافية في الدستور آنذاك القاص خليل السواحري زميلي في رابطة الكتاب الأردنيين، ورئيس الرابطة لعدة سنوات. ثم اقتربت أكثر من الصحيفة حينما شرع صديقي محمد طمليه في كتابة زاوية (شاهد عيان) اليومية الساخرة، وكانت زياراتي للصحيفة في ذلك الوقت شبه يومية وتعرفت على جميع الصحفيين والمحررين وصرت صديقا لبعضهم.
كانت الدستور ريادية في مجال الكتابة الساخرة الأردنية، إذ كانت «شاهد عيان» أول صفحة ساخرة منتظمة وناقدة ومجددة، وفتحت المجال فيما بعد لنشوء الصحافة الساخرة الأردنية التي انتشرت سمعتها في أرجاء العالم.
وفي بداية الألفية، قدمت استقالتي من موقع الكتروني كنت أسست فيه القسم الساخر. استقلت بعد ان تم بيع الموقع الى شخص صهيوني، فلم أجد سوى الدستور تحتويني، وما زلت واحدا من كتابها حتى ساعة إعداد هذا البيان، وطبعت أحد كتبي الساخرة في مطابعها. بالمناسبة تميزت الدستور من بداياتها بفتح أبوابها لكتاب المقالات، من مختلف المشارب، وما تزال، رغم الضائقة المالية التي تعانيها أسوة ببقية الصحف الورقية في الأردن وفي العالم.
زمانيا نموت طفلا مع الدستور، ثم غلاما وفتى وشابا وكهلا ثم شيخا. قلت زمانيا، لكنني في الواقع ما زلت طفلا يبيع الجرائد في أزقة الوطن.
الدستور