نريد أن نسمع إجابات مقنعة
ينتابني، وربما غيري كثيرون ، – أكثر من أي وقت مضى – شعور بالخوف من القادم، وحين اسأل أي مواطن اعرفه او التقيه بالصدفة عن «أحواله» وكيف يرى أحوال البلد يتعزز داخلي هذا الشعور المفزع، فالإجابات التي اسمعها من الجميع تبدو متطابقة، والهواجس تشير الى ان أوضاعنا ليست على ما يرام.
أعرف ان المواطن منذ ان داهمتنا « كورونا» اصبح يئن تحت ازمة اقتصادية ونفسية طاحنة، وانه لم يعد قادراً على تحمل «ضربات» الحظر والاغلاقات والمقررات « الاستفزازية « الاخرى ، وان ثقته بمؤسساته تراجعت كثيراً، وربما تآكلت ، وان ثمة اسباباً وجيهة تدعو الشباب العاطلين عن العمل وعن الامل ايضا للاحتجاج والتعبير عن «الخيبة» من سياسات خاطئة افقرت البلد، ومن مسؤولين لم يكونوا حريصين على المصلحة العامة.
أعرف ايضاً بأن ما يحدث حولنا يثير لدى الناس مزيجاً من الخوف والامل: الخوف من مشاهد الفوضى والتغيير نحو المجهول التي شهدها الناس في محيطنا الاقليمي ، والامل «بالإصلاح» الحقيقي الذي يمكن ان يعيد لنا العافية، لكن ما لا اعرفه هو اصرار البعض على اغلاق نوافذ «الحل» وعجزهم عن اخراجنا من هذه الازمة، ومنع دخولنا الى مرحلة جديدة تستقيم فيها موازين العدالة، وتتبدل فيها الوجوه التي ساهمت في الخطأ، ويتحرر فيها الناس من إحساسهم بالظلم والغبن والاهانة.
من حقنا ان نسأل مثلا لماذا لم نشهد حتى الآن أية محاكمة «علنية» لرموز الفساد، لماذا تأخرنا في انجاز قانون انتخاب يليق بالأردنيين ، لماذا نتحايل على مضامين التشريعات «السياسية»، لماذا نحاول الالتفاف على مطالب الناس بالاصلاح، لماذا نصر على رفع الاسعار مع ان اوضاع الناس المعيشية تحت الصفر، لماذا لم نغير خطابنا السياسي تجاه اقناع الناس بأن العصر تغير وبأن ارادتهم هي الحاكمة، لماذا لم تتغير طبقة المسؤولين في بلادنا مع ان بعضهم جزء من المشكلة، لماذا سبقنا غيرنا الى «الاصلاح» من داخل النظام وتلكأنا كل هذا الوقت عن اشهارها استباقاً لما هو اخطر.
من حقنا ان نسأل ايضا ما الجديد الذي اضافته «الحكومات» المتعاقبة، وما الذي تغير، وما الانجازات التي قدمناها للناس لكي نعيد اليهم الهمة والامل، ونخرجهم من نفاد الصبر.
لماذا ما زال الناس يخرجون الى الشارع وتتصاعد «مطالبهم» وشعاراتهم، لماذا نريد ان نعزز داخل الناس الإحساس بالخطر، ولماذا نتعامل مع اصواتهم بالتهوين والاستهتار، لماذا نصر على ان لبلدنا خصوصية تجنبه من الاستغراق في دوامة الازمات والانفجارات، لماذا تتعطل لواقط المسئول عن فهم هذه الحراكات والأصوات الغاضبة؟!
بعد اكثر من عشرة أعوام ، والأسئلة هي الأسئلة، لا اجابات مقنعة ولا اختراقات جدية، ولا عناوين صحيحة يتوجه اليها نقاشنا العام، ولا حلول «توافقية» تطمئن الناس على بلدهم وتشعرهم بأن مطالبهم مقدرة، وبأن غداً سيكون افضل من الامس.
ما زلنا ننتظر اللحظة التي تدق فيها ساعة الحقيقة، ونسمع فيها كلاماً حازماً عن مرحلة انتهت واخرى قادمة، وافعالاً جدية تدخلنا في عصر «البناء» والمحاسبة والمراجعة.. حيث «صوت الناس» هو الذي يعلو على كل صوت، وحيث «الاصلاح الحقيقي» هو الذي ينتصر، وحيث الأردن الخالي من الفساد والظلم والخوف، هو النموذج الذي نقدمه لهذا الشعب الصابر.
بصراحة، جربنا كل وصفات «الاحتواء» والاستيعاب والتأجيل والتقسيط والامن الناعم والخشن، ولم يعد امامنا الا خيار واحد وهو «الاصلاح» العاجل، بحزمة واحدة وبقرار جريء وبوجوه موثوق بها وبمعادلات سياسية جديدة وبتوافقات وطنية عادلة.. وهو ليس خياراً فقط وانما قدر مفروض، لكن ارجو ان لا يقول لنا احد بأن لديه قدراً آخر سيدفعه به.. لأن هذا القدر معناه الهروب الى المجهول.
الدستور