سقف أعلى للرواتب ! لمَ لا؟!
لن يطمئن الرأي العام اذا لم نضع سقفا للرواتب في القطاع العام والمؤسسات شبه الحكومية او ذات المساهمة الحكومية وأيضا للشركات المساهمة العامّة. وسيكون الأفضل وجود ربط مبدئي يضع تناسبا ثابتا بين الحدّ الأدنى والحدّ الأقصى للأجور في القانون ثم يترك للنظام وضع التفاصيل. ونظام الخدمة المدنية يضع سلما مفصلا للرواتب والعلاوات في جميع القطاعات لكن بعض الوظائف لا يشملها النظام وهناك مسارب لا تحصى لرفع الرواتب والدخول خصوصا في الهيئات المستقة والشركات المساهمة التي يعود للحكومة أو مؤسسة الضمان تقرير المناصب الادارية العليا فيها مثل الفوسفات والبوتاس والمصفاة وغيرها. ولذلك فإن وضع سقف للراتب أو مجموع الدخل الذي يحصل عليه الشخص يجب ان يرد في نص قانوني بالتناسب مع الحدّ الأدنى للدخل حتى يتذكر اصحاب المناصب حجم الامتياز الذي يحصلون عليه.
الحدّ الأدنى للاجور في القطاع الخاص هو 260 دينارا فكم يريد المدير العام لشركة مساهمة عامّة راتبا لنفسه ؟ عشرة اضعاف ؟ عشرين ضعفا؟ ثلاثين ضعفا ؟ أربعين ضعفا ؟! ليضع النسبة التي يستحي أن يضع اعلى منها وسنجد انه أقل بكثير مما يتلقاه فعلا ! رئيس مجلس الادارة او المدير العام يأخذ الراتب ربحت الشركة المساهمة أم خسرت بخلاف شركاء الشركة الخاصّة الذين يتقاسمون المغانم والمغارم. ولذلك يجب تحديد سقف الرواتب في الشركات المساهمة العامة كما في القطاع العام. ويمكن وضع نظام حوافز على الارباح عادلا ومقبولا من المساهمين ومراقبة الشركات.
وحسب علمي فالربط بين السقف الأعلى والحدّ الأدنى للرواتب موجود في عدة اماكن وسوف اتابع البحث عن أمثلة ونماذج لمقال لاحق لكن ما فوجئت به وانا اراجع عن الموضوع أن مقالين للمرحوم فهد الفانك الأول قبل 7 سنوات يطالب بسقف لرواتب المديرين في الشركات ويقول « هناك اتجاه عالمي لوضع سقف لرواتب مديري الشركات ورؤوساء مجالس الاردارة بعد ان تجاوز هؤلاء كل الضوابط والحدود واذا كان القانون يفرض حدا ادنى للأجور فلماذا لا يفرض الحدّ الأعلى أيضا». ومقال قبل 5 سنوات تحت عنوان «الحدّ الأقصى للرواتب» يؤكد فيه على نفس الفكرة ويقول ان المدراء والرؤوساء يمنحون انفسهم رواتب ومكافآت خيالية ويوزعون الأرباح على المساهمين بالقطّارة. ويقترح حلا ان يصبح سفف الراتب السنوي 120 الف دينار سنويا وما فوق ذلك استثناء يخضع لموافقة الجهة الرقابية الرسمية. والمرحوم الفانك الكاتب الاقتصادي الأهم في تاريخ الأردن كان بالأصل صاحب نزعة محافظة وصديقة لاقتصاد السوق والخصخصة والربح لكن كان يشعر بحجم الضرر للرواتب الفاحشة وغير الأخلاقية في الشركات المساهمة العامّة .
مجتمعات ما بعد كورونا والضائقة الاقتصادية الهائلة لم تعد تحتمل قانون الغابة والفلتان الفاحش والتفاوت اللااخلاقي في الرواتب والدخول. اذا كان الأمر قابلا للتغاضي امس فهو غير ممكن اليوم. ويصدم الرأي العام كل يوم بمعلومات عن الرواتب والدخول هنا وهناك كما يصدم بالتنفيعات المستمرة في مختلف المرافق والمؤسسات وخذ مثالا عدد المستشارين في الوزارات والمؤسسات ومنهم المستشارون التسعة لوزير الصحة الذين قام الوزير بالوكالة العميد مازن الفراية بتسريحهم دفعة واحدة قبل ان يعود لوزارة الداخلية وهم على الأرجح تراكم تعيينات من وزير لآخر دونحاجة فعلية.
الدستور