المئوية والعلم
اليوم الأحد هو يوم المئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية وتقرر ان يكون يوم عطلة سنوية. وهناك برنامج حافل على امتداد العام لكن سيغيب الطابع الجماهيري عن الاحتفالات طالما استمر الوباء. ويمكن لكثير من الأنشطة الاحتفالية الفنّية ان تتم دون حشود شعبية لكن الى جانبها وأهم منها هناك الفعاليات الثقافية ومنها 10 ندوات على الأقل ستقدم اسهامات تغني تاريخ مئة عام بالتحليل والدراسات والمراجعات للجوانب الاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية والتربوية لمسيرة الدولة وربما الاجابة على الكثير من الأسئلة حول الظواهر التي رافقت مسيرة البلد. فهناك خصوصية فريدة يشار لها عادة وهي صمود هذا الكيان السياسي الذي ولد على خطوط التماس مع ساحات متفجرة وبأقل القليل من المقومات.
لا شك ان حنكة الملك المؤسس لم تمكن من قيام هذا الكيان الوطني فحسب بل استدامته واستدامة العرش الهاشمي الذي كان مؤملا ان يوحد تحت جناحيه عموم المشرق العربي والحجاز لولا التآمر الاستعماري. وقد كان ممكنا للإمارة الوليدة في شرق الاردن ان تتمزق بين مسننات الصراع والمصالح والحسابات الخاطئة لولا البراغماتية الاستنائية للأمير التي نجت بالكيان الوليد وسارت به وسط حقول الغام وتهديدات متصلة ليس اقلها ابتداء الأطماع الصهيونية التي سعت لمنع قيام الدولة الاردنية باعتبار ان مشروع الوطن القومي الذي نص عليه وعد بلفور يمتد على جانبي النهر المقدس.
هذا مفهوم ومحسوم لكن هناك عوامل واعتبارات لا تحصى رافقت وساهمت في صنع هذا المسار. ومراجعة التاريخ مهم لإستخلاص الدروس أيضا. وإذا كان تاريخ دولتنا على مدار مئة عام هو تاريخ نجاح سياسي كامل من حيث ديمومة الأمن والاستقرار للدولة والمجتمع حمتهما من مصائر مفجعة حاقت بجيران وأشقاء نتيجة فشل وتقلبات وانقلابات ونزاعات اقليمية وحروب اهلية من الجزائر الى السودان ومن العراق الى اليمن فلا بأس ايضا مراجعة حال الإدارة الاردنية وقد تعاقبت عليها مدارس وسياسات تفاوت نصيبها من النجاح والتقدم في البلد. وثمّة توافق عام على ان المراحل الأولى والوسيطة من عمر الدولة شهدت تميزا في الأداء الذي ارتقى بالإدارة وبالاقتصاد وسلّم للأجيال اللاحقة ارثا ومؤسسات كنا نفخر بها امام اقراننا العرب وكان يمكن البناء عليها تحديثا وعصرنة وتميزا لكن الأمور لم تسر على ما يرام وشهدنا مع التحديث الظاهري تفسخا جوهريا في ثقافة العمل العام والمناصب الادارية واصبحنا نراوح او نتراجع في كثير من المؤشرات. ومع اكثر مظاهر التقدم التكنولوجي رواجا نرى اكثر اشكال التخلف استمرارا في شتى المجالات.
وسأضرب مثالا في احدى مبادرات يوم العلم الذي تقرر يوم 16 الشهر الجاري في ظلال المئوية الأولى. ففي أمانة عمان تقرر تحقيق رقم قياسي في موسوعة غنيس بعلم بطول اكثر من الفي متر. وقد نبه احدهم بتعليق ساخر ان المشروع يتجاوز على الدستور الذي حدد عرض العلم بنصف طوله. ولا اعرف اذا كانت موسوعة جينيس تقبل هذا النوع من السبق الذي ليس فيه اي سبق أو تميز فهو مهدد من اي احد يضيف مترا واحدا على هذا الطول !!. وعلم الاردن الغالي الذي وعينا على نشيده الرائع يستحق قكرة اكثر أصالة وابداعا. وهذا هو الفارق الثقافي في التعبير عن الانتماء بين التخلف والتزلف وبين التقدم والابداع .
الدستور