اعتذار عن الانضمام إلى «ترزية الإصلاح»
لا «الفرضيات» التي سقطت ، ولا «الحقائق» التي فجأة نهضت، ستقنع الناس بأن الغيوم التي تلبدت في فضائنا العام منذ أسابيع ستمطر، او بأن قطار الإصلاح الذي تعطلت «عجلاته» سينطلق الى محطته الجديدة.
بصراحة أكثر، كدت ان انزلق - كما فعلت مراراً - الى «فخ» المطالبين باستثمار «عاصفة نيسان» لهزّ شجرة الدولة وتعديل سلوكها وعلاقتها مع المجتمع في اطار «ما يجب ان تفعله» في مسارات التسويات او الإصلاحات او «إعادة» ترميم صورتها ، وتقديم نفسها في ثوبها الجديد...لكنني ترددت عن ركوب الموجة لأكثر من سبب، أولها ان «مهمة» الكاتب ليست «التنفيس» عن الناس او بيعهم ما يخطر في باله من «أوهام» حتى لو كانت في صميم مطالباتهم وحقوقهم ايضاً، صحيح انه يتحدث بالنيابة عنهم ويعبّر عن ضميرهم العام، لكنه يجب ان يكون صادقاً وصريحاً، وأن يكاشفهم بالحقيقة حتى لو كانت مرّة.
أما السبب الثاني فهو اننا -جميعاً-، الدولة والمجتمع، ما نزال في دائرة الإحساس «بالصدمة» مما حدث، وسواء فهمناه او ابتلعناه او اننا ننتظر المزيد من المعلومات لهضمه وقبوله، فإن ثمة حالة من «العجز» تحاصرنا، وتضرب وجوهنا، وفي ظل مثل هذه الحالة لا يجوز لأحد أن «يصنع من الحبّة قبّة» او ان يفتح شهية الناس على «موائد» الإصلاح والتغيير دون ان يكون «مقتنعاً» بان ذلك سيحدث، والاّ فأننا سنساهم في صناعة خيبات جديدة متراكمة ستنفجر في وجوهنا ، ولن نتمكن من مواجهتها بما اضمرناه من نوايا حسنة.
السبب الثالث هو ان ما وصلنا من وصفات للخروج من تداعيات «الزلزال» او محاصرته، كانت مجرد تصاميم جاهزة شارك فيها « ترزية : خياطون»، بعضهم فعل ذلك لمجرد اشغالنا بالحديث عن قضية تقع في صلب اهتمامنا، لكننا -أقصد المجتمع- لا دور لنا في حياكة عناوينها او تفاصيلها، والمطلوب فقط ان نقبلها ونطمئن لسرديتها دون نقاش، أما الاخرون فقد كانوا مجرد «أصداء» لما كتب عنا في الخارج، ولم يغفلوا بالطبع ان يضعوا بصماتهم ورغباتهم على «الوصفة»، فجاءت وكأنها «نائحة» لكنها ليست لثكلى وانما لمستأجرة.
السبب الرابع هو ان تجربة السنوات العشر الماضية كانت كفيلة بتقديم ما يلزم من دروس لنا كمراقبين للهم العام ؟، وللناس أيضا ، وابرزها ان انتظار « حركة»: قطار الإصلاح بإصدار مقررات وإجراءات لن يكتب لها النجاح، ليس فقط لان الإرادة السياسية ما تزال غير متوفرة، وانما لان إرادة المجتمع ايضاً حول الإصلاح غير «ناضجة» ، وهذه حقيقة يجب ان نعترف بها، وبالتالي فإن ما جرى تسويقه ليس أكثر من محاولة «بيع» أوهام للناس الذين ينتظرون ان يتغير واقعهم دون ان يقوموا بأي جهد لانتزاع هذا التغيير «وهذا ما لم يتحقق حتى الان».
يبقى السبب الأخير وهو ان بناء اية توافقات او تسويات لإطلاق «الإصلاح» بمعناه السياسي والاقتصادي والاجتماعي يحتاج الى طرفين: أولهما الدولة بما تمثله من إرادة ومؤسسات ،والآخر «الكتلة» التاريخية التي تمثل المجتمع ، واذا افترضنا ان الطرف الأول جاهز لإحداث صدمة إيجابية، فإن صمت او غياب او تغييب «الكتلة» التاريخية سيشكل العائق الأكبر أمام مرور أي عملية إصلاحية، يكفي هنا ان ندقق في حالة المجتمع وما طرأ عليه من كسور واصابات لندرك تماماً بأن مقولة «انثروا الإصلاح فوق الجبال» ، دون وجود مؤلفين موثوق بهم، وموضوعات «تنفع» الناس وتمكث في الأرض، ستبقى مجرد امنيات عابرة...لا يسعدني -بالطبع- ان ابيع تمورها في أسواق خيبر.
الدستور