تبريد جبهات الإقليم والفرص الممكنة
مع كل ما يدور في القدس الشريف من كفاح اصيل للشعب الفلسطيني، والتحديات التي تعيشها الحالة الفلسطينية بشكل عام، فأنه يبدو ان المنطقة العربية بأكملها ستمر بمرحلة تبريد للجبهات واعادة احياء مشاريع التنمية البشرية والاقتصادية، وكذلك السياسية. لا شك ان للادارة الاميريكية الجديدة دور مهم في ذلك، ولكن الاساس هو ان الشعوب والانظمة العربية والتي عاشت مرحلة مريرة في العقد الماضي من الزمن تجري الان مقاربات من نوع اخر.
تشهد المنطقة تحولات هادئة، ولكن اشاراتها واضحة، نحو اعادة الاوصال وتصميم علاقات متجددة تسمح باعادة عجلة التنمية وتتجاوز تراكمات العقد الماضي الاليمة والمدمرة. البوادر الايجابية كانت مع تطويق ازمة قطر ومن ثم بدأ المفاوضات في ليبيا، ومحاولات اعادة الهدوء الى سوريا والعراق بعد النجاحات الاقليمية والدولية في تحجيم الارهاب الداعشي. التنسيق العراقي الاردني المصري عالي المستوى مرشح لان يتوسع بحيث يشمل دولا اخرى في الاقليم، خصوصا بعد التقارب التركي مع مصر والسعودية الذي يشهد تطورات ايجابية وبشكل متواتر.
المفاوضات النووية الايرانية تسير بخط متسارع بالرغم من الفتن الصهيونية المستمرة الساعية لتفخيخها. فادارة الرئيس بايدن جادة في نيتها ان تجعل من الاتفاق النووي حجر زاوية في استقرار المنطقة، ويحظى ذلك بدعم اوروبي وقبول روسي وصيني. والاهم ان العرب قد غيروا من لهجتهم اتجاه ايران وانضموا الى معسكر المتفائلين في هذه الساحة. ولي العهد السعودي وصف ايران بالدولة الجارة في لقاءه الاعلامي الاخير، وهو تحول مهم مقارنة مع تصريحات سابقة، وكذلك قدمت السعودية مبادرة سلام في اليمن تمكنها من انهاء الحرب وعقد هدنة مع ايران في السياق اليمني.
الوضع اللبناني معقد، ولكن مع تبريد الجبهات الاقليمية سيتمكن اللبنانيون مرة اخرى من ايجاد المخارج وتدوير الزوايا. التحدي السوري لا زال قائما وقد يستفيد ايضا من الوضع الاقليمي الجديد ويشهد انفراجة. وتبقى فلسطين حجر الرحى والقضية الحية التي تحرك الوعي والضمائر قبل التوجهات والسياسات. حتى وان ظهر بغير ذلك، فالوضع السياسي والمعنوي الاسرائيلي في تراجع منذ انهيار حزب العمل واحتكار المتشددين للسلطة بقيادة نيتنياهو الذي سيصبح في عزلة مع ارتياح الوضع العربي في محيطه الاقليمي والدولي. فرصة العرب هنا هي في احياء مشارع تنموية بشرية حقيقية قادرة على ان تكون رافعة التطور مع بداية 2022، في عالم ما بعد الكورونا.
الدستور