لدينا « جماعة وطنية» يمكن أن تتحرك
سبق أن دعوت إلى ضرورة بروز « كتلة تاريخية أردنية « تأخذنا من حالة « الاستعصاء» السياسي والانقسام الاجتماعي الى مرحلة جديدة « للتحول الديمقراطي « الحقيقي ، لكن ثمة من لا يزال يسأل : هل لدينا مثل هذه الكتلة (سمها جماعة وطنية إن شئت ) التي يمكن أن تتحرك وتؤثر..؟ الإجابة نعم، لدينا ، وان كانت حتى الآن مترددة ومنقسمة على نفسها، «الجماعة الوطنية « المقصودة ليست خليطا من الأحزاب ، بل هي نسيج من القوى والشخصيات التي لها فعل في المجتمع وتمثله وتحظى باحترامه ،ويمكن أن تنطلق نواتها من القوى الفاعلة في العملية السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية ، كما يمكن ان تنتزع لها وزنا سياسيا اذا ما توافقت على مشروع محدد يعكس «المشتركات» الوطنية ويحظى بالتوافق العام.
إذا اتفقنا على «خمس» أفكار أساسية للانطلاق في مشروع تكوين «جماعة وطنية « لتفعيل حيوية مجتمعنا وإعادة الاعتبار لدوره في المجال السياسي –تحديداً- فإننا سنكون قد أنجزنا خطوات جادة...وعندئذ ستجد الأطراف الأخرى ( وفي مقدمتها الحكومات) نفسها مضطرة لقبول «الجسم» الجديد، وللتعامل معه أيضاً بمنطق «الندّية» ، وربما التنازل أمامه عن كثير من المواقف المتصلبة وربما المعاندة ايضاً.
الفكرة الأولى : أن نتفق على أن حالة الفقر السياسي التي يعاني منها مجتمعنا ليست قدرا وإنما هي حالة طارئة فرضتها ظروف معينة لكن لا بد من تجاوزها ، واهم ما يمكن ان نفعله هنا هو طي صفحة الانقسامات والصراعات المتخيلة والدخول في حوارات جادة حول المشتركات الوطنية على أرضية ( التحول الديمقراطي) الذي يشكل البوابة الأساسية لتحقيق الغايات الوطنية الكبرى، كالحرية والتنمية والعدالة والتحرر والحفاظ على الهُوية وهي أهداف مشتركة للجميع.
الفكرة الثانية : أن يتوافق الراغبون بالانضمام للجماعة الوطنية على (مشروع) وطني واضح ،وبموجب ذلك لا بد من التركيز على هدف مشترك واحد وتأجيل بقية الأهداف ،كما لا بد من التنازل طوعا عن الأجندات الخاصة، ووقف الاتهامات المتبادلة،وتسديد الخطاب السياسي نحو أهداف محددة،وجدولة الخلافات على التفاصيل.
الفكرة الثالثة : أن تنطلق هذه « الجماعة الوطنية» من تصورات حقيقية للواقع بما فيه من مشكلات وتحديات تتعلق بجميع مكونات المجتمع دون استثناء ، وان تبدأ بوضع وثيقة أساسية لمبادئ العمل داخل الكتلة ذاتها، بحيث يتوافق عليها المشاركون سلفا , باعتبارها ملزمة لكل الأطراف، ثم تتولى صياغة إطار عام يحسم الجدل حول الأسئلة الوطنية الكبرى بإجابات واضحة وبرامج مدروسة ومحددة زمنيا .
الفكرة الرابعة : إن مهمة هذه» الجماعة « الأساسية تتعلق بمواجهة حالة الجمود والانسداد والانتقال بالمجتمع من دور المستقبل الى دور المرسل الفاعل والمشارك الحقيقي ، وهذا يضمن إعادة الحيوية لحركة المجتمع وفتح الخيارات المتنوعة أمام الدولة ،كما يضمن كسر فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع وحمايتهما معا من أخطار الانقسام والإرباك، وترسيخ المصالحات بين فئات المجتمع وتياراته المختلفة والخروج من منطق الإقصاء والتناوش والاتهامات المتبادلة التي عطلت حركة التغيير والإصلاح وصرفت جهود المطالبين بها الى قنوات لا تصب في المصلحة العامة.
الفكرة الأخيرة : ثمة عوائق عديدة ستقف أمام تشكل هذه « الجماعة» ، لكن علينا ان نتذكر بان مثل هذه العوائق - وربما أعمق منها - كانت تواجه تجارب أخرى لكنها تجاوزتها حين حددت أهدافها بدقة وتوافقت على انجازها ‘حدث ذلك في التجربة البولندية حين كان الهدف إقرار التعددية السياسية،وفي جنوب أفريقيا حين كان الهدف ترسيخ مبدأ المواطنة الكاملة ، وفي كوريا الجنوبية والبرازيل حين كان المطلوب إجراء انتخابات ديمقراطية وإزاحة العسكر من السلطة، وفي إسبانيا من اجل الوصول إلى الملكية الدستورية البرلمانية،وأخيرا في تونس لعبور المرحلة الانتقالية واقامة نظام ديمقراطي تشاركي.
الدستور