هذا ما يستحقه الأردنيون..!
أثبت الأردنيون على مدى الأعوام العشرة الماضية أنهم «عقلاء» بامتياز.
تلك، بالطبع، طبيعية «الأردنيين» الذين اتسمت شخصيتهم بالطيبة والعفوية، وبالقدرة على التحمل وبالعناد أحيانا، لكن حين تدقق في المشهد أكثر تكتشف بأن من أبرز سمات هذه الشخصية «الإصرار»، وهذا ما يفسر استمرار الناس في المطالبة بالإصلاح طيلة هذه السنوات ، دون أن يملّ هؤلاء أو يكلوا، ودون أن نشهد أعمالا خارجة عن « السلمية» ، وهذه بحد ذاتها مسألة مدهشة حقاً.
حين أشعر بشيء من الإحباط ، أتذكر - دائماً - هؤلاء الناس الذين يستحقون كل خير، فأطرد على الفور فكرة «الهروب» من الواقع، وتتجدد داخلي طاقة من العزيمة، وأحاول بما استطعت أن أكون «ضميرهم» الناطق، وكم أحس بالسعادة حين استطيع أن أخدم صاحب حاجة، أو أوصل صوت ملهوف لأسماع المسئولين، هذه ليست وظيفة الكاتب وإنما هي رسالته وقضيته، ويفترض أن تكون قضية كل مسئول.
السؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم - كأولوية - وان نوجه إليه نقاشاتنا العامة هو: ماذا يريد الأردنيون؟ وما الذي يقلقهم؟ ثم كيف نعيد إليهم الشعور بالهمة والأمل؟
الإجابة بسيطة للغاية: إنهم يريدون الإصلاح، ويزعجهم تباطؤه، والإصلاح - هنا - يتجاوز طروحات النخب التي تبحث عن «نصيبها» في كعكة السلطة كما لا يجوز اختزانه في قانون انتخاب أو تعديلات تشريعية.
الإصلاح المطلوب «شعبيا» يتطابق مع العدالة حين تستقيم موازينها، ومع المسؤولية حين يتم تعظيم قيمها وترسيم حدودها، ومع الحرية حين تكون دافعاً للإبداع وحاضنة للخير العام.
لا يمكن للإصلاح ان يخرج الا من «رحم» الأمن، لكن ليس الأمن بمفهومه السائد، وإنما الأمن المرتبط «بالعدل» والإحسان، وبالقانون الذي تتلازم فيه الحرية بالمسؤولية والمحاسبة، والأمن الذي يجعل المواطن مطمئناً على نفسه ومعاشه وحقوقه وحاضره ومستقبله، الأمن الذي يبدأ «بالنفس» ويفضي إلى المجتمع، ويراعى فيه ترتيب الأولويات بحيث لا تطغى واحدة على الأخرى.
ما يريده الأردنيون، وما يصرون على تحقيقه (لمن لا يعرف) هو هذا الإصلاح المتلازم والمتكامل مع الأمن بمفهومه الشامل، وعليه يمكن ان نفهم «ألغاز» حراكاتهم ومطالباتهم، وان نستوعب دروس صبرهم وتحملهم، وان نفك شيفرة إحساسهم «بالخوف» والأمل، لا لكي ندير وجوهنا لهم، وإنما لكي نمد لهم يد التقدير والاحترام، ونتعامل معهم بمنطق «الجدارة» التي يستحقونها.
مشكلتنا مع الناس أننا لم نفهمهم بعد، ولم نفتح قلوبنا لاستقبال ذبذبات أشواقهم ومطالبهم، ومشكلتهم أنهم لم يعودوا قادرين على طي صفحة الماضي التي كتبت - ظلماً - بأسمائهم وتعبهم، لكن لا بد ان نستدرك ذلك كله، وان نفتح عيوننا على المصالحات التي تطفئ الضغائن، والمحاسبات التي تبدد المظالم، والتوافقات التي تقيم موازين العدل من جديد وتجمع «الأشتات» على كلمة سواء لا غالب فيها ولا مغلوب.
يستحق الأردنيون أكثر مما قدم لهم حتى الآن ، وأكثر مما يطالبون به، يستحقون حكومات تُنجز لا حكومات تعجز، حكومات تخرج من دائرة المراوغة والبلاغة الى دائرة الحزم والشجاعة، يستحقون -مثل غيرهم من الشعوب- مؤسسات تمثلهم وتحمل همومهم وتعبر عن أشواقهم ورغباتهم، لا «هياكل» متحركة تتذبذب مواقعها تبعا لاتجاهات غير مفهومة، يستحقون «نخبا» وقوى سياسية تقودهم وترشدهم بدل أن تلهث خلفهم أو أن تعتاش على تضحياتهم او ان تخطف حصادهم وتتركهم على الرصيف.
الدستور