الاستخلاص ذاته مرة ثانية وثالثة
تتابعت الأزمات خلال الشهور القليلة الماضية وبالكاد توفر الوقت لألتقاط الأنفاس بعد كل ازمة لتداهمنا أخرى تخطف الإهتمام وتسلط الأضواء على أوجه القصور أو الفشل أو الإشكالات في واقع البلد وتتكاثر الدعوات للمراجعة والإصلاح في ذاك المجال. وهذا بعد أن كان حديث الاصلاح السياسي قد عاد الى الصدارة بعد مقابلة جلالة الملك مع وكالة الأنباء الأردنية – بترا - نهاية كانون الثاني الماضي عن اعادة النظر في قانون الانتخاب.
بقينا مع كل أزمة نعود الى نفس الاستخلاص أن الاصلاح السياسي هو الوعاء والغطاء والرافعة لكل مسارات الاصلاح الاداري والاقتصادي والاجتماعي. وأخشى أنني أجد نفسي مضطرا لتجديد الاستخلاص إياه مع آخر أزمة، أقصد قضية أسامة العجارمة الذي قرر مجلس النواب فصله من عضويته أول أمس.
قبل قرار المجلس بتجميد النائب لم آخذ قضيته على محمل الجدّ فقد كان واضحا لي انه شاب غير مسيّس مندفع بذات متضخمة كما يظهر من طريقته في تقديم نفسه، يطرح خطابا إعتراضيا مشوشا يعتمد خليطا شعبويا من العصبية العشائرية والوطنية والجهوية ويستعير مفردات خارج الزمان والمكان غير ذات صلة بالواقع لكنها مع ذلك لفتت الانتباه وصنعت له شعبية. وحتى عندما اطلق تلك العبارة النابية المكونة من حرفين بحق المجلس ونظامه الداخلي استكثرت ان يعقد المجلس جلسه خاصّة للموضوع ويأخذ قرارا بتجميد عضويته عاما مما حوله الى ظاهرة وطنية وزاد شعبيته في دائرته الانتخابية ويبدو ان هذا ادار رأسه بل افقده صوابه كما يمكن ان يحدث لشاب يفتقر للثقافة والنضج والخبرة السياسية، ودع عنك الاستعراض بالسيف وعبارات التحدّي وتهديد « العملاء بالتصفية!!» فما جاء في آخر فيديو كان سيئا جدا وتجاوز كل الحدود بعبارات خطيرة وغير مسؤولة تدينه أمام كل مواطن قبل ان تدينه أمام القانون.
لكن كيف أمكن لهذه الظاهرة أن تحدث؟ ولهذا الخطاب التفاخري المشوش أن يحظى بهذا الحضور؟ والجواب انه مباشرة توجه بلغة الاعتراض والتحدي لرأس النظام فالهجوم على الحكومات يقوم به «مرّاق الطريق» ليس فيه بطولة ولا يلفت انتباه أحد. وهذا الأسلوب بالتوجه مباشرة لمخاطبة رأس الدولة اصبح نهجا مألوفا لتحقيق قوة التأثير وللنجومية والبروز أمام الرأي العام. الرأي العام الذي لا يعرف ولا يتعرف الا على مركز واحد وأخير للسلطة والقرار فوق الحكومات والمؤسسات والموظفين.
لو كان لدينا حياة سياسية مزدهرة وبرلمانات قوية واغلبيات نيابية تنشىء الحكومات وتسقطها فأي مكان وأي قيمة لخطاب وظاهرة مثل تلك التي مثلها الشاب أسامة وشغلت الناس وأوقفتها على رؤوس الأصابع؟! النائب والمسؤول وكل شخص يتصدى للعمل العام عليه ان يصارع ويقارع في ساحات معروفة خصومه وانداده من السياسيين والمسؤولين ويظاهر الحجّة بالحجة لإقناع الرأي العام والعين دائما على صناديق الاقتراع لتحقيق اغلبية برلمانية وقبل ذلك الفوز بتمثيل التيار الذي ينتمي اليه. لذلك نعتذر اذا كنا نعود بكم الى الاستخلاص إياه .. الاصلاح السياسي هو الحلّ.
الدستور