بين لجنتين وعقدين
أما اللجنتان، فهما «اللجنة الملكية – الأردن أولاً»، و»اللجنة الملكية لتحدث المنظومة السياسية»، وبينهما فاصل زمني، لا يقل عن عقدين من الزمان.
في التجربة الأولى، كانت «الرغبة» الممزوجة بـ»وهم» الإصلاح هي الدافع والمحرك، لما خضته من معارك داخل اللجنة، صحبة نفرٍ من أعضائها، للخروج بما أمكن الخروج به من توصيات وأفكار إصلاحية، قبل أن تتم «فلترتها» من خلال لجان فرعية، عملت على تجاهل بعض توصياتنا، وتفريغ بعضها الثاني من مضامينها، و»تقزيم» بعضها الثالث.
في التجربة الأخيرة/الحالية، لا مطرح للوهم، لكن «القلق» على مستقبل البلاد والعباد، هو الباعث والمحرك، لما سنخوضه من حوارات وسجالات خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة...أظنني، ونفرٌ ممن أعرف من أعضاء اللجنة وعضواتها، نعرف ماذا ينتظرنا، وندرك أتم الإدراك، أننا قد نكون مقبلين على محطة فاصلة، ما بين الإنقاذ والانفجار ... الإصلاح، كما قلنا في هذه الزاوية قبل يوم من صدور الإرادة الملكية، لم يعد «ترفاً» تتلهى به حفنة من الإصلاحيين، بل شرط بقاء واستقرار ووجود.
في التجربتين، الأولى وبالأخص الثانية، قوبل التشكيل والتفويض، بكثير من الشكوك والاتهامات، بعضها محق ومشروع تماماً، وبعضها الآخر، تمليه حسابات وحساسيات معروفة في مجتمعنا الأردني ... لكن لا هذه الملاحظات، ولا تلك الاتهامات، ينبغي أن تثني اللجنة، عن الولوج إلى تفويضها من أوسع أبوابه، أو تحول دونا تقدمها بخطى ثابتة، لطرح الأفكار والتوصيات الكفيلة باستنقاذ حالنا من الركود والمراوحة، وملء خواء حياتنا السياسية والعامة، بالأفكار والآليات، السياسات والتشريعات، التي تضعنا على سكة مغايرة.
هذه المرة، تبدو الصورة مختلفة، عمّا كان عليه حالنا قبل عشرين عاماً...فالإصلاح السياسي اليوم، بات حاجة لنظامنا السياسي، بعد أزمتي الأمير والنائب وما تكشفتا عنه من مواطن خلل والاختلال، وهو طريقه، التي لا طريق غيرها، لاسترداد الثقة وتجسير الفجوات بين الحكم والمواطنين، وهو شرط الاستمرار والاستقرار ... لسنا هنا نمتلك ترف المماطلة والتسويف، والفشل ليس خياراً...نحن هنا، أمام سؤال «شكسبيري» بامتياز: نكون أو نكون.
ولأنها كذلك، فقد جاءت لغة الخطاب الملكي، غيرها عن المرات السابقة: الملك يتعهد بمنع تدخل المتدخلين في عمل اللجنة ومداولاتها ومخرجاتها، ولقد كانوا «كثراً» في التجربة الأولى، والملك يتقدم كضامن لترجمة خلاصات عملها وتوصياتها، إلى سياسات وتشريعات، والمأمول أن تقرأ اللجنة، المهمة من هذا المنظار، فتبادر من دون ارتجاف، إلى رسم خريطة الطريق التي يتطلع إليها الأردنيون جميعاً، بعيداً عن أية حسابات «صغيرة أو أنانية»...الأعضاء والعضوات يتعين عليهم، أن يخلعوا ثوب التردد والتحسب، وهم يدلفون إلى قاعات عمل اللجنة، فما هو مطلوب منهم، أكبر بكثير من حسابات الربح والخسارة، بالمعنى الشخصي أو الفئوي...عليهم جميعاً إدراك، أن القوى الساعية لتأبيد الأمر الواقع لن ترفع الراية بسهولة، وأنها لن تتخلى عن «مكاسبها» دون «مقاومة»، لكن رياح الإصلاح، التي تهب اليوم، وإن بوجل وتردد، يمكن النفخ بها، لتصبح قادرة على دفع مركب الإصلاح والتحديث، نحو شاطئ الأمان.
على أن الكرة ليست في ملعب اللجنة وحدها، فالدولة بمؤسساتها المختلفة (الحكومة ابتداءً)، عليها أن تسهم في إشاعة مناخات الثقة، وأن تبعث برسائل إيجابية للرأي العام، عبر مبادرات ملموسة عاجلة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: وضع قضية نقابة المعلمين، على مسار سريع للحل، وإعادة من تم استيداعهم أو إحالتهم إلى التقاعد المبكر، إلى أعمالهم، والإفراج عن معتقلين حراكيين أو نشطاء التواصل الاجتماعي ... وعلى الإصلاحيين، داخل اللجنة وخارجها، رص الصفوف وتحفيز روح المبادرة والمبادءة...أمرٌ كهذا، من شأنه أن يشيع مناخات من الثقة، وأن يعزز التفاؤل والأمل بإمكانية استحداث نقلة نوعية في فضاءات العمل الوطني العام، بعيداً عن مناخات الإحباط واليأس.
الدستور