قمح القلوب !
قبل أيام ، عن ّ في البال أن أنبش واحدا ً من دفاتر ِ الذاكرة ِ أو الكلام ، تلك الدفاتر العديدة التي تراكمت المفردات فيها و الحكايات و منها ما ينفع للروي وللقول ومنها ما لا ينفع .
حين ينبش المرء ُ دفترا ً ، مركونا ً منذ خمسين سنة مثلا ً ، تظل ّ أصابعه ترتجف و ذهنه ينشغل بالخشية من « العبث « ، فدفاترنا العتيقة أو أوراقنا المخبوءة في الزوايا و الــ « الكراتين « و ربّما في أماكن ضيّقة ، جميعها تحفل بألواننا وأنفاسنا وملامحنا و ذكريات الأهل والصّحب واللّهو والتعب والكد ّ والجوع والأرغفة الساخنة التي كانت بلا دسم ٍ أو بقليل منه .
ينبغي الاعتناء بالورق وبالذهن ، لكي لا تهرب فكرة أو « لقطة « من قصة أو لكي لا يضيع صوت في حارة أو لا تهرب منا صورة « المخبز « القديم أو صورة بائع « شعر البنات « ، تلك الحلوى الهشة التي كانت الحارات تتقاطر لشرائها ، بل وتضرب مواعيدها مع الباعة حين تنفد البضاعة لكي يجلبوا ما يكفي للأولاد وللبنات في يوم آخر !
الورق فيه الكثير منّا ،
فيه أسرار و مواقف و قصص صغيرة و فيه سيرة حياة واضحة هنا أو غير مكتملة في مكان ٍ آخر !
الورق فيه نحن وأولئك الذين تركوا الحكايات لنا والذاكرة والتاريخ ،
الورق فيه أوجاع ٌ كانوا تجاوزوها أولئك الذين غابوا أو ربّما كانت سببا ً في غيابهم ،
و في الورق رسائل العاشقين حتى لو أحرقوها .. رسائل العاشقين لا تحترق ولو دُسّت في بطن النار !
لا تغفلوا دفاتركم و « قصاصات الورق « التي خبأتموها هنا أو هناك ، حتى لو كانت في الجدران ..ابحثوا فيها عن وجوهكم القديمة و عن أحلامكم وعن « قمح ٍ « لا يزال طريّا ً في قلوبكم .
الدستور