الكنيست إذ يتحول لـ «سيرك» و«بازار»
هي جلسة تاريخية بامتياز، تلك التي خصصها الكنيست للتصويت على الثقة بحكومة بينت – لبيد الجديدة...فيها تحول البرلمان الإسرائيلي، إلى «سيرك» و»بازار».
«سيرك»، بمعنى أنها ظهّرت كافة التحولات داخل المجتمع والطبقة السياسية الإسرائيلية، التي تزلق بسرعة شديدة، صوب التطرف الديني والقومي (الفاشي)...ما جرى تبادله من اتهامات بالخيانة والعمالة والتفريط، خصوصاً من قوى اليمين الديني والفاشي...ما ظهّرته من حالة استقطاب سياسي – ديني – إيديولوجي – هوياتي...ما حفلت بها خطابات الخطباء، من أكاذيب وديماغوجيا و»شعبوية مفرطة...تعيد التأكيد بأن هذا الكيان «يتمشرق»، وأن بذور انفجاره تكمن في داخله، وأن تحديات الداخل ستصبح ذات يوم، ليس ببعيد، أخطر بكثير على أمنه واستقراره ووجوده من تحديات الخارج.
عنصرية طافحة، بالذات ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين...»خطاب بينت» كان طافحاً بالأساطير التوراتية، يهودية إقصائية، لا تعترف بالآخر...والآخر هنا، ليس فلسطينيو الضفة والقدس والقطاع فحسب، بل سكان البلاد الأصليين كذلك، الذين يشكلون خُمس سكان الدولة.
أما «البازار» فقد فُتِح على مصراعيه، وقد حظيت إيران والمسألة الفلسطينية بصدارة حفل المزايدات الصاخب الذي تبارى على منصته، منصة الكنيست، رمزان من رموز اليمين المتطرف: رئيس الحكومة المنصرف، بنيامين نتنياهو، ورئيس الحكومة القادم نفتالي بينت.
إيران، هي التهديد الوجودي الأكبر والأخطر الذي يواجه إسرائيل...هكذا تحدث الرجلان، وهكذا تنافسا في إظهار درجة كراهيتهما لها، والتشديد على استعداداتهما، للتصدي (المنفرد) للبرنامج النووي الإيراني، وتعطيل مسار فيينا لعودة واشنطن إلى اتفاق 2015...ليس هذا فحسب، بل أن «أذرع» إيران في المنطقة، وعلى حد تعبيرهما: حزب الله وحماس، سوف يلقيان مصائر صعبة، إن ظل نتنياهو أو عاد للحكم، أو إن قُدّر لحكومة بينت – لبيد أن ترى النور، وأن تستقر لبعض الوقت على سدة الحكم في إسرائيل.
الاستيطان، بما هو أداة إسرائيل وسلاحها، للإطاحة بالدولة الفلسطينية المستقلة، احتل مساحة واسعة في خطابات «المتبارزين»...نتنياهو يتهم الحكومة الجديدة، بقبول الدولة والتفريط في مواجهة التهديدات الكامنة في بنيتها...وبينت يرد بأن خيول الاستيطان الجامحة، ستنطلق بأقصى سرعتها، وفي كل والأمكنة والمناطق، مشدداً بشكل خاص على التوسع في أعمال الاستيطان اليهودي في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، والتي تشكل 60 بالمئة من مساحتها، امتداداً لموقف تقليدي معروف للرجل وحزبه القابع في أقصى يمين الخريطة الحزبية في إسرائيل.
القدس، واستكمال تهويدها وأسرلتها، كانت في القلب من «المبارزة» بين رمزي اليمين المتطرف...من استكمال عمليات الضم والتوسع والإبعاد والتشريد وهدم منازل الفلسطينيين، تحت شعار «العاصمة الأبدية»، إلى محاولات إحباط مسعى واشنطن إعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية، وتفضيل أن يتم ذلك في حالة إصرار إدارة بايدن على توجهها، في منطقة أبو ديس أو أي مكان آخر، لا ينتقص من فكرة العاصمة «الموحدة».
مع زعامات من هذه الطينة وعلى هذه الشاكلة، لا مستقبل للاستقرار في الإقليم، لا مع إيران ولا في سوريا ولبنان وغزة والضفة والقدس...مع زعامات من هذه الطينة، لا مستقبل لمفاوضات أو حل لدولتين...مع زعامات وشخصيات من هذا الطراز، لا استقرار في علاقة الأردن بإسرائيل، ولا أمن أو استقرار على امتداد أرض فلسطين التاريخية.
جلسة الكنيست أغلقت فصلاً في الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل، وفتحت باباً لفصل آخر، فصل قد يحفل بالعنف الداخلي، وقد يأخذ شكل التصفيات والاغتيالات والمواجهات المباشرة...المعركة بين تيارات اليمين من جهة، وبينها وبين بقية القوى، بالذات العربية، دخلت منذ الأمس منعطفاً جديداً، وهيهات أن تضع أوزارها لسنوات مقبلة.
الدستور