« الزعامة» داخل الإنسان العربي

تم نشره السبت 19 حزيران / يونيو 2021 12:33 صباحاً
« الزعامة» داخل الإنسان العربي
حسين الرواشدة

داخل الإنسان العربي يسكن شبح اسمه «الزعيم» او «البطل»، البعض يتقمصه هذا الشبح فيتحول إلى نسخة أخرى مطابقة للبطولة «وللزعامة» التي لا ترى الدنيا إلا من خلالها، والبعض يستدعي تحت الإحساس بعقدة «النقص» هذه الصورة ليملأ الفراغ داخله، أما الآخرون فيقضون أعمارهم في مواجهة هذا الشبح، لا لأنهم يرفضون سطوته وإنما لأنهم يعتقدون أن سطوتهم أقوى من سطوته.

لا ادري –بالضبط- من اين خرجت هذه «النزعة» التي اتسمت بها «الشخصية» العربية دون غيرها من شخصيات «الأمم»؟، لكن ما اعرفه ان «تراثنا» مزدحم بنماذج الانتصار «للبطل» الفرد، والبحث عن «المخلّص» الرمز، والتمجيد «للزعيم» المتفرد، وفي المقابل لا نجد مثل هذا الاحتفاء للبطولة الجماعية، او للأمة الزعيمة، كما لا نجد في سمات هذه «الزعامة» سواء أكانت للفرد ام للجماعة إلا سمات القوة والسيطرة والحزم، وكأن تغييب سمات التواضع او السماحة او اللين تجرح هذه الشخصية باعتبارها إشارات ضعف تتناقض مع صورة «الزعامة» التي تكرست في وعينا باعتبارها نموذجا للقوة والجبروت والسيطرة.

يمكن –بالطبع- فهم نزعة بروز «الزعامة» او استدعائها في سياق «حاجة» المجتمع حين يتعرض لأزمات او مشكلات لا يستطيع الرد عليها او مواجهتها، او في سياق «قابلية» الناس للتسليم والانقياد او رغبتهم الفطرية في «الاستلهام» وبالتالي فان الزعامة هنا «صناعة» اجتماعية وقد تتحول الى «ضرورة» فتندفع الجماعات الى «خلقها» وإبداع ما يلزم من مواصفات لها وأساطير حولها.

يمكن –ايضا- فهم بروز هذه «النزعة» للزعامة في مجتمعاتنا العربية في إطار افتقادنا «للمؤسسية» الناظمة لحياة الناس وأعمالهم سواء أكانت هذه المؤسسية في حدود الأسرة ام المجتمع، ام في إطار محاولة الخروج من «القهر» الى فضاء الحرية التي تتيحها صورة «المنقذ» حتى وان كان فردا، او في إطار سيطرة «فكرة» الاتكالية والاعتماد على «الآخر» في تحقيق الطموحات والمعجزات.

مهما تكن اعتبارات «ولادة» الزعامة في داخل الإنسان العربي، فان مواصفات وتحولات «الزعيم» سواء أكان في المضمار الاجتماعي ام الثقافي ام الديني ام السياسي تظل محكومة بقدرة الجمهور على ضبط نظرتها له وعلاقتها معه، فبمقدار ما تمتلكه من أدوات للوعي والحركة بمقدار ما تستطيع ان تمنع او تخفف من انقلابه من «ملهم» الى «مسيطر» ومن مصدر للبناء والتقدم الى وسيلة للسلب والاستقواء والهدم.

بقي ان أشير الى ان شخصية «الزعيم» في ذاكرتنا العربية ما تزال تحفل بكثير من الجوانب الايجابية، فهو يمثل رمز للتضحية والفداء والعطاء، وهو يفتدي الآخرين بنفسه، ويقيد حريته يمنحهم المزيد من الحرية، ويُفني إرادته لتقوى إرادتهم، كما انها أحيانا تحفل بكثير من الجوانب السلبية، وخاصة حين تنفصل هذه الشخصية عن مجتمعها، وتحاول تختزله في ذاتها، وتفرض عليه سماتها.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات